الناحية الفقهية التي تترتب على آثار الغضب، لو أن إنساناً في حالة غضبه تصرف تصرفاً في غير محله، فبعض الناس يقول: اتركه يكسر، ويهدم، وينفس عن نفسه، لكن هذا أقوى علامات الضعف، فلا نقول: الغضبان إذا مزق شيئاً أو كسر شيئاً أو عمل شيئاً أو سب إنساناً فإنه بذلك ينفس عن نفسه ويرتاح؛ لأنه بذلك يتعدى على الناس، لكن المؤمن يضبط نفسه عن هذه الأشياء.
فإذا فعل الغضبان شيئاً ماذا يكون الحكم؟ يتفق العلماء على أن الغضبان إذا أتلف شيئاً لغيره في حالة غضبه، فهو ضامن لما أتلف، ولا يقول: إني غضبان وما كنت في وعيي، فالعوض المالي ثابت بخطاب الوضع لا بخطاب التكليف، فخطاب الوضع يقول: من أتلف شيئاً لغيره فهو ضامن، هذا ما حصل لأم المؤمنين عائشة مع صفية رضي الله تعالى عنهما، فقد كانت صفية تجيد صنع الطعام، وكانت بنت ملك، فأرسلت يوماً بقصعة فيها طعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نوبة عائشة، فغارت عائشة رضي الله تعالى عنها فضربت القصعة وهي في يد الخادم، فسقطت فانكسرت وانتثر الطعام، فأمسك صلى الله عليه وسلم قصعة صفية عند عائشة، وأخذ قصعة عائشة وأرسلها إلى صفية عوضاً عن قصعتها، وما الذي حمل عائشة على هذا؟ الغيرة، والغيرة غضب، والغيرة قد تقتل لأنها من أثر الغضب! وإذا تصرف الغضبان تصرفاً معنوياً فهل يلزمه نتائجه أو لا يلزمه؟ إذا أعتق عبداً أو إذا طلق زوجه، ونحو هذه الأمور المعنوية، فهل يقع طلاقه ويسري عتقه أم لا؟ يتكلم الفقهاء في هذه المسألة كثيراً، وليس هذا محل تحقيقها، ولكن خلاصة ذلك ما جاء عن الإمام ابن تيمية رحمه الله: إذا تملك الغضب على الإنسان بحيث أصبح لا يعرف الذي أمامه ولا يعرف هل هو ولده أو أبوه؟ ولا يميز بين ابنته وزوجته، وهذا كما يقول المالكية فيما يتعلق بالسكران الذي لا يعرف نعله في قدمه من نعل غيره، ولا يعرف رداءه من رداء غيره، فهذا لا يقع طلاقه ولا عتقه، والشيخ الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان يقول: المولى سبحانه قال: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ}[النساء:٤٣] ، فإن كان يحسن قراءة الفاتحة فهو صاح، وإن كان لا يحسنها فهو سكران، ويقول الإمام ابن تيمية في هذا: من استحكم فيه الغضب حتى أصبح لا يميز ولا يدرك فإنه يؤاخذ بتصرفاته التي عليه، ولا يؤاخذ بتصرفاته التي له، فالبيع والشراء عليه هو، ولكن الطلاق والعتق له هو، فيقول: لا يقع طلاقه ولا يقع عتقه، أما ما كان عليه من ضمان الأموال والاعتداء على الدماء ونحو ذلك فإنه ملزم به.
فالغضب إذا وصل بإنسان إلى هذا الحد، فصار لا يميز بين ولده وأبيه، وبين زوجته وابنته،يقول: فهو في حالة يكون فيها مسلوب العقل والاختيار كالحيوان، فيضمن ما أتلف، ولا يؤاخذ بالعقود المعنوية كالطلاق والعتاق.
فهذا الحديث الذي فيه مجيء الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وطلبه منه الوصية الموجزة، فجمع له الخير كله، ودفع عنه الشر كله، بكلمة واحدة:(لا تغضب) .
وأسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم.