للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[طلبه للعلم في صغره]

نشأ ابن عباس رضي الله تعالى عنه نموذجاً حياً لطالب العلم في كل زمان ومكان، ولزاماً على كل شخص يسلك طريق طلب العلم أن يدرس ترجمة ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وقد ذكرنا في برنامج إذاعي أن تراجم الرجال مدارس الأجيال، وفي ترجمة ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه لما شب وصار يافعاً بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذهب إلى أحد أصدقائه فقال له: هلم نجمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أوترى -يا ابن عباس - أن الناس يحتاجون إلى ما تجمعه مع وجود كبار أصحاب رسول الله؟! فمضى ابن عباس في طريقه، قال ابن عباس: كنت أتبع الرجل الذي عنده حديث رسول الله من المسجد إلى بيته، وأستحي أن أوقفه في الطريق، فأتبعه وأقول: لعله يلتفت فيراني فأسأله، قال: مرة اتبعت فلاناً فلم يلتفت، ودخل بيته ولم يلتفت، ورد الباب دوني، وذلك بعد صلاة الظهر، قال: فجلست على باب بيته أنتظر خروجه، ووضعت ردائي على وجهي، والريح تسفي عليّ، فأخذني النوم، حتى خرج الرجل لصلاة العصر، فقال: ابن عباس على باب بيتي! قلت: نعم، جئت أسألك عن حديث كذا، قال: لو آذنتني فآتيك إلى بيتك! قال: إن العلم يؤتى إليه.

وكان ابن عباس، وهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، يأخذ بركاب زيد بن ثابت وهو راكب، وابن عباس يمشي، فيقول له: إما أن تركب، وإما أن أنزل، فيقول: لستَ بنازل، ولستُ براكب، هكذا أمرنا أن نعظم علماءنا.

هذا حال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في طلب العلم، ثم دارت الأيام، وصار صاحبه الذي قعد عن مرافقته في طلب العلم، يرجع إليه ويسأله عن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكان يفتي الناس بمكة، ثم إنه خرج من مكة وقال: لا أستطيع أن أسكن بلدة تتضاعف فيها السيئات كما تتضاعف فيها الحسنات، ولكني أتخذ من الطائف مسكناً، ثم أنزل إلى الناس يوم الحج، وبقي ساكناً في الطائف، وينزل مكة في وقت الحج.

ولقد ذكروا من مناقبه رضي الله تعالى عنه أنه رأى جبريل عليه السلام مرتين، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أخبر بذلك فأخبر أنه سيفقد بصره، وقد ابتلي في آخر حياته بفقد البصر، قالوا: لأنه رأى جبريل مرتين، إحداهما لما جاء العباس يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهراً، فاستأذنه ثلاث مرات، فلم يأذن له، فرجع مغاضباً، وكان في بني هاشم بعض الحدة، فقال ابن عباس لأبيه العباس: يا أبت! لا تغضب فهو مشغول عنك بالرجل الذي كان يجلس إليه يحدثه، فقال: أوعنده رجل؟! قال: نعم، قال: ما رأيته! وأخذ بيد ابنه ورجع مرة أخرى إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما وصل استأذن فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم من أول مرة، ولم يكن هناك رجل، فقال العباس: (يا ابن أخي! ما بالك استأذنتك ثلاث مرات فلم تأذن لي؟ قال: ما علمت، قال: إن هذا الغلام يقول: إنك كنت مشغولاً برجل عندك، وما رأيت عندك أحداً، فالتفت صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله وقال: أرأيت الرجل يا غلام؟! قال: نعم، قال: ذاك جبريل عليه السلام) .