نأتي إلى حديث النية منطوقه ومضمونه وما يتناوله بقدر المستطاع إن شاء الله: أولاً: من حيث اللفظ (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرأة ما نوى) هاتان جملتان متقاربتان لفظاً مختلفتان مضموناً.
كلمة (إنما) تعتبر عند علماء اللغة أداة قصر، ومعنى القصر أو الحصر هو أن تقصر المبتدأ على الخبر، ومن أساليب القصر النفي والإثبات (ما وإلا) مثل: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ}[آل عمران:١٤٤] ، وكذلك تقديم ما حقه التأخير مثل:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}[الفاتحة:٥] فأصلها (نعبدك ونستعينك) ولكن تقديم المعمول يدل على أنه محصور على ما بعده، فالمعنى:(إياك وحدك نعبد) فقصر العبادة على مرجع الضمير المتقدم هنا (إياك) وكان أصله ضمير وصل وهو الكاف: (نعبدك) فلما فصل جيء بـ (إيا) فصار (إياك) لأنه لا ينطق بالكاف وحده، فصارت الجملة هكذا:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}[الفاتحة:٥] أي: لا نعبد غيرك ولا نستعين بغيرك.
ومن أساليب الحصر أيضاً: تعريف كل من المبتدأ والخبر كقوله: (الكاتب زيد) فزيد معرفة والكاتب عرف بأل، والمعنى أنه لا كاتب إلا زيد، وكقول البعض: الشاعر شوقي أو الشاعر المتنبي فقصر الشعر على المتنبي كأن غيره لا يذكر معه، فتعريف الطرفين، وتقديم ما حقه التأخير، والنفي والإثبات، و (إنما) كلها أساليب قصر، وأم الباب هي (إنما){إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ}[الرعد:٧] فكلمة (إنما) هي أداة حصر وحدها.
وهنا (الأعمال) هي المحصور والمقصور على النية، فجميع الأعمال مقصورة ومحصورة ومتعلقة بالنية.