ومعنى الزنا بعد إحصان أي: بعد وطء امرأة حرة بعقد نكاح، أما إذا وطء أمة بملك يمين فلا تحصنه، وهذا قول الجمهور، وإذا عقد على امرأة ولم يدخل بها فلا تحصنه، وإذا وقع في زناً قبل زواجه، فلا يحصنه هذا الزنا؛ لأنه باطل لا ينبني عليه حكم صحيح، فإذا تزوج ثم ارتكب تلك الرذيلة -عياذاً بالله- فحينئذٍ يكون عليه الرجم، ويحل دمه بعد أن كان معصوماً، وقد تكلم الفقهاء على جريمة الزنا، وعقوبتها، واتفق الجميع بلا نزاع على أن غير المحصن -وهو البكر- يجلد مائة جلدة، قال سبحانه:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ}[النور:٢] ، ومن لطائف أسلوب القرآن -كما قال بعض العلماء- أنه في باب الزنا قدم المرأة فقال:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي}[النور:٢] ، وفي باب السرقة قدم السارق فقال:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}[المائدة:٣٨] ، قالوا: إن للتقديم أثره كما بين صلى الله عليه وسلم ذلك في أمر الصفا، فالسعي بين الصفا والمروة شوط مكتمل، ولكن من أين نبدأ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ابدءوا بما بدأ الله به) ، والله قد بدأ بالصفا، فقال:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ}[البقرة:١٥٨] ، قالوا: إن سبب الزنا أقوى من جانب المرأة؛ لأنها موضع الإغراء، ولو لم يجد الرجل منها ميولاً، أو ليونةً، أو إغراءً، لخاف وابتعد، أما في السرقة فالرجل أقوى؛ لأنه أجرؤ على اقتحام بيوت الناس، وانتهاك الحروز! لا إشكال عند جميع الناس أن البكر يجلد مائة، وأشكل على بعض الناس الثيب الذي أحصن، والإحصان، هو: الزواج والدخول بالزوجة، وليس بشرط أن تظل معه زوجه، بل لو دخل على زوجه ليلة واحدة، وكان بينهما ما يوجب الصداق، ويوجب العدة، ويلحق الولد، فهذا إحصان بلا نزاع، وعلى هذا؛ لو طلق زوجته، أو ماتت، ثم بعد ذلك وقع في هذه الرذيلة، فإنه يستحق الرجم.
وهل ثبت حد الرجم بالسنة أو بالكتاب؟ بعض العلماء يقول: إنما ثبت بالسنة، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر برجم ماعز والغامدية، ورجم أيضاً غيرهم، وآخرون يقولون: الرجم ثابت بكتاب الله، فقد ثبت أن من القرآن الذي نسخت تلاوته آية:(الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم) ، وهذه الآية نسخت لفظاً، وقال ابن عباس:(إن الرجم ثابت في كتاب الله، واستنبطه من قصة اليهوديين اللذين زنيا، فسأل اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال للحبرين منهما: (ماذا عندكم في التوراة؟) فقالا: أحبارنا الأولون غيروا الرجم، وارتضوا بالتفحيم، وتنكيس الزاني على دابة، وغير ذلك من التعزير، فقال:(وماذا في التوراة؟) قالا: فيها الرجم، فأمر صلى الله عليه وسلم برجمهما، وفي بعض الروايات أنه قال:(فأتوا بالتوراة فاتلوها) ، فجاءوا بالتوراة، وغطى القارئ بيده على آية الرجم، فقال عبد الله بن سلام، وكان حاضراً: (ارفع يدك، فلما رفع يده، إذا بآية الرجم تحت يده، فأمر صلى الله عليه وسلم برجمهما، قال ابن عباس: هذا يدل على أن الرجم ثابت في القرآن، والرسول صلى الله عليه وسلم جاء ليبين لهم ما كانوا يخفون من الكتاب، كما أخبر الله؛ فمما أخفوه آية الرجم.
وثبت عن أمير المؤمنين عمر رضي الله تعالى عنه أنه خطب الجمعة على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم -كما في صحيح البخاري رحمه الله- فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: (أيها الناس! إن الرجم قد أنزل في آية من كتاب الله قرأناها، ثم نسخت، ولولا أن يقول الناس: زاد عمر في القرآن، لكتبتها بيدي، ولقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا معه، فأخشى إن طال الزمان أن يقول أحد: لا يوجد الرجم في كتاب الله.