للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى الشبهات]

قال: (وبينهما أمور مشتبهات) ، ولم يقل: متشابهات، وفرق بين المتشابه والمشتبه، قال الله في وصف ثمار الجنة: {كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا} [البقرة:٢٥] أي يقولون: الذي أكلنا قبل هذا هو شبيه به ولكن ليس هو، فمتشابه أي: بعضه يشابه بعضاً، وهذا يدل على وجود شيئين، ولكن مشتبه هو في ذاته، وليس هناك طرف ثان، والمادة متقاربة، فالمشتبه هو: ما يدور بين طرفين متغايرين يشبه هذا من جهة، ويشبه هذا من جهة أخرى، فيصبح في نفسه مشتبهاً، بخلاف المتشابهين، مثل: أخوين توأمين يكونان متشابهين، ولكنهما متغايران، كل واحد بشخصية مستقلة، لكن الأمر المشتبه يدور بين أمرين متغايرين، يأخذ من هذا بوجه، ويأخذ من هذا بوجه، فيصبح مشتبهاً في ذاته.

يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله: من أحكام الشريعة، ومن معاني القرآن، ما هو بين واضح ليس فيه شبهة ولا يعذر أحد بجهله، سواء كان في الأوامر أو كان في النواهي، وتفسيره تلاوته، وذلك مثل قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة:٤٣] ، وقوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة:١٨٣] ، وقوله: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران:٩٧] ، فكل هذا من الأمور الواضحة، وكذلك في المحرمات قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ} [المائدة:٣] ، وقوله: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ} [المائدة:٤] ، فهذا بين واضح لا لبس فيه، وقوله: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة:٥٧] ، وقوله: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} [الملك:١٥] ، فالحلال واضح بين لا شبهة فيه، والحرام واضح بين لا شبهة فيه، ومثل قوله: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى} [الإسراء:٣٢] ، وقوله: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ} [الإسراء:٣٣] ، وقوله: {لا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [الحجرات:١٢] ، فهذا حرام بيّن.