ويبحث العلماء في مسألة: إذا دخل الرياء عملاً أصله لوجه الله ولكن طرأ عليه مقصد جانبي، فهل يبطل هذا العمل لقوله:(تركته وشركه) ، أو أنه يبطل منه بالقدر الذي دخل فيه الرياء؟ نعلم جميعاً أن الرسول صلى الله عليه وسلم حذر من الرياء وقال عنه إنه الشرك الخفي، والرياء: أن ترائي بعملك فتعمل بقصد أن يذكرك الناس، أو يمدحوك، ولذا قيل في الذي يجاهد حمية:(يأتي يوم القيامة فيذكره الله تعالى بنعمه عليه فيذكرها، فيقول له: فما صنعت فيها؟ فيقول: خرجت بمالي وبنفسي وجاهدت في سبيل الله، فيقول: كذبت! خرجت ليقال فلان شجاع، وقد قيل، ويؤتى بالعالم فيعرفه الله نعمه فيعرفها، فيقول: ماذا فعلت بها؟ فيقول: تعلمت وعلمت ليعلم دينك، فيقول: كذبت! إنما تعلمت ليقال عالم وقد قيل) ولهذا يقول الإمام مالك والإمام أحمد رحمهما الله: من تعلم العلم ليماري به العلماء أو يجاري السفهاء أو يلفت أنظار الناس إليه فالنار فالنار، ويقول ابن عبد البر: من تعلم ليماري العلماء فقد قسا قلبه، أي: ضاع عن التحصيل؛ لأنه لم يرد بتعلمه وجه الله، وهذا مما يوقف طلبة العلم على أحرج المواقف، لأن الشهرة أمرها خطير، ولأن طلب الرياء عند الناس أخطر، فليتق الله كل طالب في نفسه وفي علمه وليرجُ وجه الله فيما علم وفيما علَّم، سواء استفاد منه الناس أم لا.
وفيما يتعلق بالرياء هل هو يحبط جميع الأعمال أو العمل الذي راءى فيه، وإذا قصد بعمله وجهاً سوى وجه الله، هل يكون له في ذلك حض؛ كمن حج ليتجر، وكمن قاتل ليغنم مع إعلاء كلمة الله.
يقول العلماء: إن كان القصد الأول هو وجه الله وما جاء من غيره فإنما هو تبع، فلا شيء في ذلك، والمسلمون كانوا يخرجون ويقاتلون وكانوا يغنمون، ولا يؤثر ذلك على قصدهم في إعلاء كلمة الله.
وبعضهم يقول: إن قاتلوا وغنموا فقد فاتهم ثلثا أجر الغزاة، وإن قاتلوا ولم يغنموا فلهم أجر الغزاة كاملة.
ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يغزو ويقاتل ويغنم، ويأخذ من الغنيمة خمسها ويقسم على أصحابه، ولا يؤثر ذلك؛ لأن القصد الأول إنما هو إعلاء كلمة الله.
ولذا كان مالك رحمه الله يكره النفل أي: تنفيل الإمام أو القائد للغزاة في أول الأمر في ذهابهم، والنفل هو أن يقول القائد: من قتل مشركاً فله سلبه، يقول مالك: الأولى ترك هذا في الذهاب مخافة أن يذهب هذا المسلم لا لإعلاء كلمة الله ولكن لقتل المشرك ليأخذ السلب، فكرهه حتى لا تغلب المادية على نيته وعلى قصده، أما في العودة فلا مانع؛ لأنهم قد تحدد القصد عندهم وانقضى، فلا تأثير هنا على القصد.
وجاء في الحديث (يخرج جيش يريد الكعبة فيخسف الله بهم الأرض، قالت عائشة: يا رسول الله!! يكون فيهم السوقة وغيرهم فما ذنبهم؟ قال: يخسف بهم جميعاً ويبعثون على نياتهم) ، فبعضهم نيتهم هدم البيت، وبعضهم لا قصد لهم، ولا ناقة لهم فيها ولا جمل، إنما صحبوا ذلك الجيش ليبيعوا ويشتروا ويربحوا، فيبعث كل واحد منهم على نيته.
وهكذا نية القصد تأتي في الأعمال التي يراد بها وجه الله، فهذا الذي حج ويتجر إن كان خروجه للحج، وإنما يتجر ليستعين على نفقة الحج، فلا مانع من ذلك؛ لأن القصد هو الحج والاتجار إنما هو وسيلة وليس بغاية، أما إذا كانت غايته التجارة والحج جاء تبعاً فهذا بقدر جزئية النية في الحج يكون له أجر، وهكذا في جميع الأعمال.
وهذا يتكلم فيه علماء العقائد وعلماء التوجيه والتربية.