نصرة الله للمظلوم ولو كان كافراً
الحديث من أول الأمر ومن أول خطوات التشريع يعلن بأن الله حرم الظلم على نفسه، وجعله بين العباد محرماً، ويأتي الحديث يبين لنا أن يوم القيامة يقتص الله للمظلوم من الظالم حتى من الشاة القرناء للشاة الجلحاء؛ فإذا انتطح شاتان إحداهما قرناء والأخرى لا قرون لها، فيوم القيامة ينتصف الله للشاة التي لا قرون لها من تلك التي اعتدت عليها بقرونها.
وإذا كان شأن الظلم أو مكانته بهذه النسبة، فالرسول صلى الله عليه وسلم حينما كان يبعث عماله كان يحذرهم من ظلم الناس؛ لأن أكثر ما يكون الظلم من صاحب السلطة أو الجاه أو القوة، فحينما بعث معاذاً إلى اليمن قال: (إنك تأتي قوماً أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله كتب عليهم خمس صلوات - ثم لما بين له أركان الإسلام قال-: وإياك وكرائم أموالهم) .
و (إياك) كلمة تحذير، أي: تجنب كرائم الأموال ولا تأخذها في الزكاة، ولذا لما رأى عمر رضي الله تعالى عنه شاة حافلاً قال: (ما هذه؟ قالوا: من شاة الصدقة، قال: ما أعطى هذه قوم بطيب نفس) لأنها حليبهم؛ ولذا يقول صلى الله عليه وسلم: (إياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب) فإذا كان العاقل ولو كان قوياً ذا جاه أو سلطان.
وجاء في الحديث عن أبي مسعود رضي الله تعالى عنه: أنه كان له غلام فضربه، فسمع صوتاً من ورائه يقول: (اعلم أبا مسعود! لله أقدر عليك منك على هذا العبد، قال: فالتفت فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: هو حر لوجه الله يا رسول الله؛ قال: لو لم تفعل للفتحتك النار) ، ولذا جاء في الحديث أن المولى سبحانه يقول في الحديث القدسي أيضاً: (إني لأنصر المظلوم ولو كان كافراً) ، وجاء في بعض رواياته: (إني لأنصر المظلوم ولو كان كافراً علم أن له رباً فدعاه) فالكافر حينما يلجأ إلى الله في حالة الشدة يكون مؤمناً بالله، وفي تلك اللحظة يكون لاجئاً إليه.
يقال عن بعض السلف: إن شخصاً كان يصيح ويقول: قلبي ضائع عني -من شدة خوفه من الله- وبينما يمشي في الطريق إذا بطفل صغير وامرأة تدفعه من البيت وتصك الباب في وجهه، فأشفقت على هذا الطفل، فإذا به يقول: يا أماه طردتيني وأوصدت الباب دوني؛ فمن يأويني ويفتح لي بابه، فإذا بالأم تسمع هذا القول فتفتح الباب وتحتضن ولدها، فيرجع وهو يقول: وجدت قلبي وجدت قلبي، إذا كانت المرأة تستجيب للطفل الصغير حينما لجأ إليها؛ فالمولى أرحم وأرأف.
وهذا كما جاء في الحديث: (إن الله أرحم بعباده من الأم بطفلها) ، لما جاءت امرأة من السبي تمشي وتتلفت، حتى إذا وجدت طفلاً أخذته فضمته إلى صدرها وأرضعته، فقال صلى الله عليه وسلم: (أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار، قالوا: لا، قال: لله أشد رحمة بعباده من هذه بطفلها) ، ويأتي في الحديث: (لله أشد فرحاً بتوبة عبده من رجل ضلت عليه راحلته عليها زاده وهو في فلاة من الأرض حتى يئس منها وأيقن بالموت، فجاء إلى ظل شجرة واستلقى ينتظر الموت، فأغمض عينه، ثم أفاق فإذا براحلته على رأسه، فقال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك.
أخطأ من شدة الفرح) أي: الله سبحانه وتعالى أشد فرحاً بتوبة العبد من صاحب هذه الراحلة، فإذا كان كافراً معانداً لله لكن عند الشدة رجع إلى الله، فإن الله يرحمه ويستجيب له.
أنت في شخصك على ما فيك من نقص وضعف لو كان لك خصم معاند ومؤذ فألمّت به نازلة، فجاءك في جنح الليل يطرق الباب، فإذا به خصمك! فتقول: ما شأنك؟ قال: جئتك لاجئاً.
فهل تطرده وتقفل الباب أمامه، أم ترحب به؟ لا شك أنك ترحب به، وأنت بشر، وفيك من النقص ما فيك، ولكنك تغتفر لعدوك إذا لجأ إليك عند الشدة، فما بالك بأرحم الراحمين! إذاً: ليتق الظالم ظلمه في الدنيا والآخرة: (إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً) ، ولو أننا جئنا إلى قضية اجتماعية وكل إنسان -لا أقول: كل مسلم- كل رجل أو امرأة مسلم أو كافر تجنب الظلم وألغي الظلم من الوجود وحل محله العدل، كيف نتصور هذا المجتمع؟ عمر رضي الله تعالى عنه حينما جاء أبو بكر وقال له: يا عمر! أريد أن تساعدني وتحمل عني بعض المسئوليات، قال له: ماذا تريد؟ قال: تول عني القضاء، قال: حسناً، فأعلن أبو بكر بأن عمر هو قاضي المسلمين، وبعد سنة جاء عمر وقال: يا أبا بكر! خذ عملك عني، قال: لماذا، هل أتعبناك في القضاء؟ قال: لا، سنة كاملة وما اختصم إليّ اثنان! عرف كلٌ ما له وما عليه فلم يتعد أحد على الآخر.