[علاقة الذكر بالتوحيد]
نرجع إلى هذا الحديث من جهتين: الجهة الأولى: تلك الألفاظ الخاصة بمعانيها.
الجهة الثانية: هذا المنهج، وهذه الطريقة التي وجه بها رسول الله صلى الله عليه وسلم طائفة من الناس، ودخلت معها غيرها.
أما قوله صلى الله عليه وسلم: تسبحون، أي: تقولون: سبحان الله، وجمع بين سبحان الله والحمد لله والله أكبر، وتقدم قريباً حديث أبي مالك الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الطهور شطر الإيمان، وسبحان الله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض) .
إذاً: تسبحون وتحمدون، وهناك بيّن لنا النووي: أن سبحان الله ثوابها وحدها يملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملأ ما بين السماء والأرض، وفي الحديث: (كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم) .
يقول العلماء في هذين اللفظين: (سبحان الله والحمد لله) : هما جماع تنزيه المولى سبحانه وتوحيده، وجمعا غاية خلق البشر؛ لأن الغاية من خلق البشر هي كما قال الله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:٥٦] وسر العبادة في تنزيه المولى سبحانه، وتوحيده في الربوبية، والألوهية، والأسماء والصفات.
وتوحيد الربوبية: الإقرار لله بالربوبية للعالم، وهذا هو الذي تقر به في كل ركعة عندما تقرأ: (رب العالمين) .
وتوحيد الألوهية: هو إفراد المولى بالعبادة؛ لأنه ما دام أنه رب العالمين، وأنت فرد من العالمين مخلوق لله، مرزوق منه تحت رعايته، فهو الذي يستحق العبادة، ولا يحق لك أن تصرفها لغيره؛ ولذا تقول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:٥] .
وتوحيد الأسماء والصفات في: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:٣-٤] .
فالتسبيح تنزيه المولى عن كل نقص، والتحميد إثبات صفات الجلال والكمال لله؛ ولذا يقولون: مادة اللغة العربية أول ما توضع توضع للمحسوس ثم تنتقل للمعنوي، مثلاً: لو سمعنا الأذان والإذن والمأذون والآذن كلها راجعة لحاسة الأذن؛ لأن المؤذن يلقي الكلمات في أذنك، والآذن يعلمك بإذن الآذن، والمأذون ألقيت في أذنه أنه أذن له وكل هذا راجع لهذه المادة، والمعاني كثيرة في هذا.
فقوله: سبحان، يقول علماء الصرف: سبحان على وزن فعلان، وأصل الميزان الصرفي: فعل، ويزاد في الميزان بقدر ما يزاد في الموزون: فسبحان على وزن فعلان، إذاً: سبحان من سبح، وزيد الألف والنون فكانت على وزن فعلان، إذاً: المبدأ الأساسي في مادة سبحان هي: السين، والباء، والحاء، سبح، مثل: غفر، تقول: غفران.
قالوا: وهذا يظهر قوة اللغة وترابطها وتكوينها من أسر وجماعات.
فإذا وجدت المادة تتفرع وتتعدد في مسميات، فاعلم أن كل مشتقات تلك الكلمة بينها صلة رحم، فمثلاً: سبح، ما معنى السباحة؟ أن يعوم في الماء، ومتى يعوم في الماء؟ إذا كان الماء غزيراً، ولماذا يسبح في الغزير؟ لينجو من الغرق، فكذلك الذي يسبح الله إما لينجو من مهلكة عدم تنزيه الله أو من ورطة تشبيه أو نقص لله، أو يسبّح الله كأنه يبعد الله ويجنبه من كل ما لا يليق بجلاله عز وجل.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد.