للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سبل المحافظة على الحج معنوياً

الحج له مقدمات وآداب ونتائج، فإذا تهيأت لك النفقة والزاد الحلال وجئت إلى الميقات، يقال لك: قف! إنك ستدخل منقطة جديدة فيها تُحَوَّر الشخصية، ستدخل في بوتقة، وتخرج من باب آخر بغير الشخصية الأولى، فتتجرد من ثيابك، وهل نزع الثياب ولبس الإزار والرداء مجرد شكليات أم أن وراءه شيء؟ لا والله! بل وراءه أشياء.

دخلنا إلى الميقات، وفيه مصري وشامي ومغربي وهندي وعربي وأعجمي، وغني وفقير، وو إلى آخره، وخرجنا من الباب الثاني سواسيةً، إزار ورداء، المصري ترك ثوبه أو جبته، وهذا ترك برنسه، وهذا ترك عباءته، والكل خرج بشكل واحد، الغني الذي كان يلبس ثياباً فاخرة رجع للإزار والرداء، والفقير الذي كان ثوبه مهلهلاً خرج بإزار ورداء، لا فرق لغني على فقير، ولا لكبير على صغير، ولا لمأمور على أمير، الكل سواسية.

إذاً: حصل تحوير أم لا؟ حصل مبدئياً.

وحينما تنزع ثيابك العادية تغتسل، وهل ثَمَّة نجاسة أو وسخ تريد أن تزيله؟ لا، لكن حينما تغتسل للإحرام تشعر بأنك تزيد في النقاء والتطهر، ويجب أن تنظر إلى الداخل، وتطهر صدرك، فلعله كان هناك تطاول على خلق الله، أو كان هناك غمز ولمز، أو كانت هناك سخريات، أو تفاخر، فيجب أن يغسَّل هذا كله: (الطهور شطر الإيمان) ، وألزم ما يكون من الطهارة أن تطهر داخليتك، فهل تنظف الظاهر والداخل تتركه على ما هو عليه؟! فتخرج من الميقات وأنت فعلاً تقول: لبيك اللهم لبيك، أقبلت عليك -يا رب- بكليتي قلباً وقالباً.

ومن تلك اللحظة تسير على مثال ملاك في شخصية إنسان، وتعلن التلبية، سِلْم لكل خلق الله، شعرك لا تنتف منه أي شعرة، وظفرك لا تأخذ منه أي وصلة، والصيد لا تمد يدك إليه، {لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} [المائدة:٩٤] لماذا؟ {لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ} [المائدة:٩٤] سبحان الله! محرم يقول: لبيك يا رب! والصيد أحل الحلال ويقول له: لا تأكله! والجمَّال أو السائق أو التاجر معك في سيارة واحدة يقتل الصيد ويأكل! مَن أولى بأكل الصيد؟ المحرم؛ ولكن لا.

زوجتك التي معك أحلها الله لك بكلمة الله، وقبل أن تقول: لبيك، أنت معها في الفراش، وحينما قلت: لبيك، قال: قف! لا تمسها.

ما السبب؟ أنت لما دخلت منطقة الميقات، دخلت من أجل تحوير شخصية، حتى تتعود العفة، وكف اليد عن الإيذاء والتعدي، وضبط النفس عن محارم الله؛ لأن الشخص الذي يكف يده عن الصيد لا يمدها إلى المال الحرام، والشخص الذي يتعفف عن زوجته لا يعتدي على محارم الآخرين، وهكذا تمشي وأنت سِلْم للطير في الهواء، وللوحش في الفلاة، وللزوجة التي معك حتى تقضي نسكك، فأنت في هذه الفترة في محل التمرين والتدريب والترويض، فإذا نجحت في هذه المرحلة نجحت في غيرها، فإذا وقع منك اعتداء أخذت جزاءه، فإن قتلت صيداً {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة:٩٥] ؛ وإن قربت زوجتك فعليك أن تمضي في هذا الحج على فساده، وعليك حج من عام قادم.