للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[البحث في سبب الخلاف من وسائل ترجيح الروايات]

وهذا منهج من مناهج البحث في سبب الخلاف، وترك التعصب للرأي، وجمع الأحاديث بعضها مع بعض، فالذين قالوا: لا غسل، دليلهم ما كان في أول الأمر، والذين قالوا بالغسل، دليلهم ما استقر عليه الأمر بعد ذلك، ولا مانع في ذلك.

وفي زمن مروان بن الحكم، وهو أمير على المدينة، اختلفوا عنده فيما يتعلق بالصائم في رمضان إذا أصبح جنباً -أي: أجنب بالليل، ولم يغتسل حتى طلع الفجر وهو جنب- والجنابة أثر من الوطء، فهل الأثر له فعل المؤثر، وصيامه باطل لأنه أثر الجنابة، والجنابة تبطل، أم لا؟ فتساءلوا، وقال قائل: إن أبا هريرة أخبرني أنه لا صيام له، فأرسل رجلاً إلى أم المؤمنين عائشة وسألها: فقالت: (كان صلى الله عليه وسلم يصبح جنباً من جماع لا احتلام ويصبح صائماً) ، فأرسل الرجل إلى أبي هريرة، وهو بوادي العقيق، ليسأله عن رأيه، ويخبره بما قالت أم المؤمنين، وهذا منهج عملي في تتبع الخلاف في الروايات، فلما جاءوا إلى أبي هريرة وأخبروه، قال: أوقالت ذلك؟ قالوا: نعم، قال: أنا أخبرني مخبر، يعني: ما سمعت ذلك مباشرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فهل ترجح رواية من قال: أخبرني مخبر، أو رواية عائشة عن رسول الله؟ هكذا يكون ترجيح الروايات، وهذا منهج عملي لمعرفة الراجح من الخلاف فيما يصلنا من الروايات المتعارضة في الظاهر.