الأولى بحق الجوار الأقرب، كما جاء في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: يا رسول الله! عندي جاران، فلمن أهدي منهما؟ قال:(لأقربهما باباً) .
بماذا يكرم الجار؟ إذا رجعنا إلى مصالح المجتمع، نجد كل إنسان يعمل لجلب نفع له، ولدفع ضر عنه، فكل ما فيه نفع لجارك فيجب أن تبذله له ما استطعت، وكل ما فيه مضرة عليه فمن حق جارك عليك أن تدفعه عنه؛ ولهذا رأى ابن مسعود رجلاً يجري فقال له: ما لك؟ قال: أستدعي الشرط -الشرطة- قال: لماذا؟ قال: لجاري، قال: ما به؟ قال: يشرب الخمر، قال: هل نصحته؟ قال: لا، قال: ارجع فانصحه أولاً بينك وبينه، فمن حق الجار النصيحة.
ومن حق الجار على جاره أن يحفظ له ماله، كما يحفظ مال نفسه، فلا تجوز إساءته في دوابه ومتاعه، ذكر البخاري في الأدب المفرد أن امرأة جاءت إلى عائشة رضي الله عنها وقالت: إن أحدانا يطلبها زوجها فتمتنع -إما مريضة وإما متعللة- فهل عليها من شيء؟ قالت: نعم، لو دعاها زوجها وهي على رأس جبل، لكان عليها أن تجيب، وأحدثك أني كنت بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم في فراشه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم صائماً، وعندي قدح شعير، فطحنته وصنعت قرصاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من عادته إذا خرج أن يقفل الباب معه، فخرج وترك الباب مفتوحاً، ودخلت داجنٌ لجارنا، ثم جاء صلى الله عليه وسلم إلى فراشه، وجئت جواره، فنهضت الداجن إلى قرص الشعير فنهضت إليها، فقال:(على رسلك يا عائشة! خذي ما أدركت من قرصك، ولا تؤذ جارك في شاته) ، فهذا قرص واحد، والرسول صائم، ومنتظر للمغرب، وتأتي الداجن -وهي الشاة- وتخطف القرص، وعائشة أخذته منها، وأرادت أن تؤذيها، فقال: لا، لا، بالرفق، (خذي ما أدركت من قرصك، ولا تؤذ جارك في شاته) ، وهذا يعني أن دواب جارك لو جاءت لزرعك، أو دخلت بيتك، فلا تؤذها، وإنما كف أذاها عنك بالرفق.
إذا كان الحفاظ على الجوار إلى هذا الحد، فكيف يكون ما عدا ذلك؟! لو غضب جارك عليك، لو أساء إليك، لا تبادر بالانتقام.
إذاً: حقوق الجار من الحقوق الاجتماعية العامة التي يجب أن تكون بين الأسر والبيوت والأفراد، ليرتبط المجتمع كله بعضه مع بعض، وهذا الجوار ليس في البيوت فقط، بل حتى في الدكاكين وفي الوظائف والعمل إلخ.
والمفهوم من قوله صلى الله عليه وسلم:(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره) ، أن من لم يكرم جاره، ومن لم يكرم ضيفه، فليس إيمانه مكتملاً باليوم الآخر، وكذلك من لم يحفظ لسانه! الخلاصة: هذا الحديث من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، وينبه فيه عليه الصلاة والسلام على نقاط ثلاث: حفظ اللسان، والحذر من مساوئه قدر المستطاع، وألا يتكلم العبد إلا فيما هو خير، وكذلك ترابط المجتمع وتأمين السبيل لذلك بإكرام الجار وإكرام الضيف، ونسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه، وأن يجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والسلام عليكم ورحمة والله وبركاته.