ووصلنا في هذا الحديث أيها الإخوة إلى أبواب الخير، وذكرنا منها:(الصوم جنة) ، والصوم له باب في الجنة يقال له الريان يدعى منه الصائمون.
وذكر الرسول صلى الله عليه وسلم باباً لمن يقوم الليل، وباباً لمن يتصدق في السر، وباباً لمن يجاهد، وكما هو معلوم أن أبواب الجنة ثمانية، يدعى كل جنس وطائفة من باب خاص بهم، قال أبو بكر رضي الله تعالى عنه:(يا رسول الله! ما على من يدعى من تلك الأبواب ضرورة، وقال: هل يدعى منها كلها أحد يا رسول الله؟ قال: نعم، وأرجو أن تكون منهم) وإن لم يكن أبو بكر منهم فمن يكون؟ الصديق الذي يقول صلى الله عليه وسلم في حقه:(لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح بهم) ، فلا يستبعد أن يدعى منها كلها.
قال تعالى عن إبراهيم عليه السلام:{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} لماذا؟ {قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[النحل:١٢٠] ، {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا}[البقرة:١٢٤] .
فهو أمة وهو إمام، وذلك لأنه ابتلي فوفى، {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى}[النجم:٣٧] ، {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ}[الصافات:١٠٤-١٠٧] .
فقوله:{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ} كان هذا البلاء بالتكاليف التي كلِّف بها، وقد ابتلاه الله ولم يبتلِ أحداً كما ابتلى إبراهيم عليه السلام.
وقد توقفنا عند قوله عليه الصلاة والسلام:(والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل) ، والمقصود بالصلاة في جوف الليل: صلاة النافلة، كما كان الكلام على الصوم وعلى الصدقة فكذلك الصلاة، أي أن أبواب الخير هنا هي للنوافل، وما ذكِر في أول الحديث عند قوله:(تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت) ، يخص الفرائض، وأما الشهادتان فداخلة في قوله:(تعبد الله لا تشرك به شيئا) .
وأبواب الخير هنا هي التزود من النوافل، وأشرنا إلى أن الفريضة محدودة، وأن النافلة مجالها واسع، ونجد أن الإسلام جعلها من درجات التفاضل بين العباد، فعلى حسب همة العبد ويقينه يكون أخذه منها.