للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أهل الدنيا]

قال الله عز وجل: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ} [آل عمران:١٤] ، وهذا أمر جِبِلِّي، وغريزة في الإنسان، وسيد الخلق صلى الله عليه وسلم يقول: (حبب إلي من دنياكم ثلاثاً: الطيب والنساء -وهذان متلازمان- وجُعِلت قرة عيني في الصلاة) ، يعني: النساء والطيب ما شغلاني عن الصلاة، بل كان يقوم الليل حتى تفطرت قدماه، فما شغله الفراش ولا الزوجات ولا الطيب عن أداء واجبه والتقرب إلى ربه.

قال تعالى: {حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ} ، مكدس بعضُها فوق بعض، {مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ} ، ليست خيلاً عاديةً هاملة، بل خيلاً عربية أصيلة، {وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ} ، من البقر والإبل والغنم، {وَالْحَرْثِ} : كل المزروعات، {ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} ، من المسمَّيات التي هي ألذ ملاذِّ الدنيا، وهل هناك مال آخر؟ الآن أصبح هناك العمارات، وهي داخلةً في هذا، فهي تقابل الحرث في السابق، عمائر فاخرة، ومبانٍ شاهقة، ولكن كل ذلك متاع، والمتاع شيء مؤقت.

قال تعالى: {ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} ، وهل وصفُ الحياة بـ (الدنيا) من الدنو والقرب أو الدناءة؟ من الدنو والقرب في مقابل الآخرة.

{ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} [آل عمران:١٤] أي: المرجع، وهو جنة الخلد.

إذا نظرنا في هذا: فإن تلك المسميات هي متاع الحياة الدنيا، وعلى الإنسان ألا يكون معها لمجرد المتعة، والنتيجة ذاهبة، لكن إذا كانت وسائل وليست غايات فلا بأس، فالمرأة هي سبيل الولد، والنكاح مقصد من مقاصد الحياة لبقاء النسل وعفة الإنسان، وإذا تزوج الرجل فإنه يعف نفسه، ويعف المرأة أيضاً، ويولد له من يذكر الله معه ومن بعده.

إذاً: ينبغي أن المرأة وسيلة للإعفاف، ولبقاء النسل، ولعمارة الكون، ولتكثير هذه الأمة، ولتحقيق رغبته صلى الله عليه وسلم في قوله: (فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة) .

وينبغي أن يطلب الولد ليكون صالحاً يدعو له، أو يكون وديعة عند الله وشهيداً في سبيل الله، أو يكون آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر عالماً بكتاب الله، وعمله في صحائف والده.

أما الخيل فقد أشرنا أنها على ثلاثة أقسام: أجر، وستر، ووزر.

وهكذا الأنعام إذا اقتناها، وأدى حق الله فيها وفي رقابها وظهورها؛ كان له بذلك الأجر العظيم.

عثمان رضي الله تعالى عنه جهَّز جيش العسرة، وإذا لم يكن عنده مال فكيف يجهز جيشاً؟! ولهذا يقول بعض الناس: كثير من الوعاظ يذم الدنيا ويقبحها وكأنها مصيبة وجريمة وقعت على الناس، هذه الدنيا إن لم تكن موجودة فكيف نكتسب الآخرة؟ فنحن لا نحصل على ثواب الآخرة إلا من الدنيا، فالدنيا مزرعة الآخرة.

وفي بعض الآثار: (من الناس من يسب الدنيا، فتقول له: قبح الله أعصانا لله! أنا الذي أعصي الله أم أنت؟!) ، وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فطلع لنا جبل أحد، فقال: (يا أبا هريرة! وددت لو أن لي مثل جبل أحد ذهباً، أقول به هكذا وهكذا -وأشار يميناً وشمالاً- فلا يمضي ثلاثاً وعندي منه شيء، إلا شيء رصدته لدَينٍ) ، فالرسول تمنى أن يكون عنده مثل أحد ذهباً؛ لكي ينفقه في سبيل الله.

إذاً: الأموال والقناطير المقنطرة يجب أن تكون: (نعم المال الصالح للرجل الصالح) .

{ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} [آل عمران:١٤]