وهكذا من حفظ الله ترك المحرمات والمعاصي، فلا يقدم عليها عمداً، بخلاف من زلت به قدمه، والإنسان غير معصوم، وبعدما تزل به القدم في المعصية، يحس بأوساخه فيقوم فينفض الغبار عنه، ويغسل درنه بتوبة واستغفار، فهذا عبد الله حقاً.
أما إذا كان لا يبالي بما وقع فيه، ولا يخشى الله، ولا يخاف مما وقع فيه من الذنب، ولا يستحيي من الله، وقد جاء في بعض الأحاديث:(استحي من الله كما تستحيي من رجلين من ذوي المروءة في قومك) ، وجاء في الحديث القدسي:(لا أكون أهون من تستحيي منهم!) ، أي: تستحيي من الناس ولا تستحيي من الله!! فجعلت الله في نظرك أهون من الناس! نسأل الله السلامة والعافية، وليس هناك إنسان معصوم، ولكن يجب على العبد إذا سقط، أن يتوب، مثل إنسان ماشٍ في الطريق تعرقلت رجله في عود فسقط على الأرض، فهل يظل على سقطته أو ينهض ويزيل السبب الذي أسقطه حتى يمضي في طريقه سالماً؟ فيجب على العبد إذا زلّت به القدم، ووقع فيما حرم الله عليه، أن يسارع في الرجوع إلى الله، ويستغفر من ذنبه، ويغسل الخطيئة بهذه الحسنة، كما تقدم في الحديث الماضي:(وأتبع السيئة الحسنة تمحها) .
فقوله:(احفظ الله) هذا هو حفظ العبد لله سبحانه وتعالى، والجزاء من جنس العمل، فمقابله (يحفظك) ، كما قال الله:{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ}[الرعد:١١] ، يحفظونه من كل سوء يخشى منه، ولولا هؤلاء الحفظة المعقبات لتخطفتهم الجن، ولاجتالتهم الشياطين عن الأرض، فقوله:(يحفظك) أي: حفظ أمن، وهناك حفظ أعظم منه، فإذا حفظت الله في حقه، وفي أسمائه وصفاته، وفي أوامره ونواهيه؛ حفظك أن تهدم ذلك، وحفظك من أن تقع في السوء، وحفظك من أن تحيد عن الطريق، وحفظك على الجادة السوية، وحفظك على الصراط المستقيم، وحفظك أن تتلاعب بك الشياطين، وحفظك أن تميل بك الأهواء، وحفظك من وساوس النفس، وحفظك من كل سوء لا ترضاه، فيعاملك بالمثل؛ فإذا حفظت الله في ذاته حفظك في بدنك وفي ذاتك، وإذا حفظت الله في أوامره ونواهيه حفظك في سلوكك، وحفظك عن المعاصي، مثل يوسف عليه السلام في ذلك الموقف الرهيب عندما غلقت سيدته الأبواب كلها وقالت:{هَيْتَ لَكَ}[يوسف:٢٣] ، أي موقف أشد حرجاً من ذلك؟! وهو في بيتها محكوم عليه، وهي سيدة الموقف وملكة، فماذا كان الموقف؟! حفظ الله فحفظه، قال الله:{لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ}[يوسف:٢٤] ، والله هو الذي كشف له هذا البرهان، وكانت رؤيته لبرهان ربه هي سبب الوقاية والحفظ عن أن يقع فيما يراد منه.
وهكذا لو نظر الإنسان في تاريخ الأمم، وفي الأحداث، وفي حياته، فلابد له من موقف مر به، أو مأزق وقع فيه، ولم يقدر أحد على إنجائه وحفظه إلا الله سبحانه، وشعر بنعمة الله عليه في ذلك.