للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معجزة القرآن الخالدة]

أعظم معجزة لرسول الله التي هي لها صفة الدوام والبقاء، والتي لها الإعجاز الأكبر: القرآن الكريم؛ لأن كل معجزة نبي كانت مؤقتة بوقته وبزمنه، فعصا موسى انقضت بموسى، إحياء الموتى لعيسى انقضى بعيسى، وآية إبراهيم: {كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء:٦٩] ، وآية نوح ومجيء الطوفان انتهى أمرها وقضي الأمر واستوت على الجودي.

إذاً: كل معجزة لنبيٍ إنما كانت مرتبطة بشخصه وبزمنه؛ إلا معجزة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي الباقية، وهي التي تحدى الله بها العقول، وليست خوارق للعادات، وإذا كان الأمر يتحدى العقول فإن العقلاء يقفون عند حد، أما إذا كان فوق العقول وفوق القدرات فإن الإنسان يقف منه موقف من يشعر بالعجز؛ لعجز الطاقة عن ذلك، فلا يستطيع البشر أن يأتي بحية من عصا، لكن هذا خارق فوق العادة ملموس.

أما القرآن فبلغتهم وبحروفهم وبكلامهم، وتحداهم أن يأتوا بسورة من مثله، كان والدنا الشيخ الأمين رحمة الله علينا وعليه يقول في أوائل سورة البقرة: أول نداء في المصحف الشريف: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا * وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:٢١-٢٢] ، مَنْ الند الذي يمكن أن يخلق أرضاً فراشاً، مَنْ الند الذي يمكن أن يوجد سماءً بناء؟ مَنْ الند الذي يمكن أن ينزل من السماء ماء؟ مَنْ الند الذي يمكن أن ينبت من الأرض نباتاً رزقاً لكم؟ لا يوجد.

ثم بعد أن أقام الآيات البينات على وجود الخالق سبحانه، دعاهم إلى عبادته لأنه خالقهم، والمستحق للعبادة وحده، ثم جاء بإثبات الرسالة: {وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة:٢٣] ، أي: في شك مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله، {وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:٢٣] ، أي: ائتوا بالإنس والجن يعاونونكم على هذا.

القرآن ليس غريباً عنكم هو: {ألم} [البقرة:١] ، و: {كهيعص} [مريم:١] ، و: {ص} [ص:١] ، و: {ق} [ق:١] ، و: {ن} [القلم:١] ، و: {ألر} [يوسف:١] ، هذه الحروف التي تعرفونها، والتي تؤلفون منها أشعاركم، والتي تتكلمون بها في خطبكم، والتي تتحادثون بها فيما بينكم، لم يأتكم بشيء غريب عنكم، ولكنه منزل من عند الله.

{فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا} [البقرة:٢٤] ، وهذا تحدٍ فوق التحدي، ائتوا بسورة من مثله، ثم يقول: وأنا أخبركم مقدماً أنكم لن تفعلوا.

ولم يفعلوا، ويبقى إعجاز في إعجاز وتحد في تحد.

إذاًَ: قامت البينة بأن ما أنزله الله على رسوله إنما هو وحيٌ من عند الله، وقامت البينة على أن القرآن الكريم هو وحيٌ من عند الله، وكان في ذلك إثبات لرسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فآمنا بأن محمد بن عبد الله هو رسولٌ من عند الله أرسله بكتابه.