[تلقيب عمر بن الخطاب بأبي حفص والفاروق]
وفي بداية الحديث عن هذا الإيراد لعلنا نتساءل عن هذه الألقاب والكنى والأسماء، أمير المؤمنين أبو حفص الفاروق عمر يبين علماء اللغة: أن العلم اسم يعين المسمى مطلقاً كما قال ابن مالك في الألفية، ثم بين أنه يأتي كنية وعلماً واسماً ولقباً، والعلم هو ما يعين مسماه بدون قرينة، وسمي الاسم اسماً لأنه وسم أي: علامة على صاحبه، وأصل الوسم العلامة للإبل ونحوها، وهو مأخوذ أيضاً من السمو وهو العلو، ومنه السماء، سما يسمو سمواً، لكأن الاسم سمة علت على صاحبها فميزته عن غيره.
والكنية ما صدرت بأب أو بأم كأبي حفص وأبو بكر، واللقب ما أشعر بمدح كالفاروق وذي النورين أو بذم.
السؤال هنا: ما هو سبب هذه الألقاب التي لقب بها عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه؟ أما أمير المؤمنين فيقولون: إنه في خلافة أبي بكر رضي الله تعالى عنه كانوا يقولون لـ أبي بكر خليفة رسول الله، فلما جاء عمر كانوا يقولون: خليفة خليفة رسول الله، وطال الأمر فقالوا: جاء وافد من العراق يسأل أين أميركم؟ قالوا: من أميرنا؟ قال: عمر، قالوا: جئت بها، فسموه أمير المؤمنين، وقالوا: إنه هو الذي قال: أنتم المؤمنين وأنا أميركم فأنا أمير المؤمنين، يهمنا أنه لقب جاءه بعد توليه الخلافة.
أبو حفص الحفص: الأسد قالوا: كني أبو حفص عمر بذلك لشجاعته وقوته وخفته، ويذكرون عنه رضي الله تعالى عنه أنه كان يمسك أذن الفرس بيد ويثب على ظهر الفرس، دون أن يعتمد على شيء، وذلك لنشاطه وخفته، وهذا القصد والوثب من سمات الأسد والنمر، فلقب أبو حفص لهذه الصفة كما يقولون.
أما الفاروق فقد لقبه به رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما لقب خالداً بسيف الله، ويذكرون ذلك في قصة إسلامه وأنه كان أشد الناس على المسلمين إيذاء، وفي يوم أخذ سيفاً، ومضى يسأل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يقتله، فلقيه رجل وقال: أين يا عمر؟ قال: أريد قتل محمد.
قال: هل ترى بني هاشم تاركيك؟ فقال له عمر: صبأت، قال: أدلك على أعجب من ذلك، أختك وزوجها أسلما.
فبدل أن يذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بيت أخته، وكان عندها وعند زوجها خباب بن الأرت يقرئهما القرآن ويخفيان إسلامهما، فلما جاء عمر وسمع خباب صوته اختفى داخل البيت، ودخل عمر إلى البيت فقال لأخته وزوجها: ما هذه الهمهمة التي سمعتها، قال له زوج أخته: ما هو إلا حديث بيننا -وكانا يقرءان سورة طه-، فعدا على زوج أخته، فقامت أخته تدافع عن زوجها فلطمها فأدماها، فلما رأى الدم من أخته أسف على ذلك.
ثم قالت له أخته: رغم أنفك يا عمر أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فقال: أريني الصحيفة التي كنتما تقرآنها، قالت: لا.
إنك رجس وهذا كتاب الله، اذهب فاغتسل، فذهب ثم جاء وأخذ الصحيفة وقرأ ما فيها ثم قال: أين محمد الآن؟ فلما سمع خباب قول عمر نادى وخرج وقال: أبشر يا عمر! لعل دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الخميس أصابتك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم أعز الإسلام بـ عمر بن الخطاب أو بـ عمرو بن هشام) قال: أين محمد الآن؟ قال: في الدار التي بأعلى الصفا.
فذهب عمر رضي الله تعالى عنه فوجد حمزة على الباب رضي الله تعالى عنه ومعه رجال، فلما رآه حمزة قال: لقد جاء عمر إن كان أراد الله له خيراً فالحمد لله، وإلا فقتله يسير علينا، فلما طرق الباب وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته خرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمسك بتلابيبه وبحمالة سيفه وقال: أما آن لك أن تسلم يا عمر!! قبل أن يخزيك الله، قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله.
ثم جلسوا في الدار فقال عمر: يا رسول الله! ألسنا على الحق أحياءً وأمواتا؟ قال: والذي نفسي بيده إننا على الحق أحياءً وأمواتاً، قال: فلماذا نجلس هنا أفلا نعلنها، وخرج عمر وخرج رسول الله في صفين على أحدهما عمر وعلى الآخر حمزة وذهبا إلى البيت وطافا بالبيت، فساءت وجوه قريش، وقالوا: الآن انتصف المسلمون منا.
فحينئذٍ سماه الرسول الله صلى الله عليه وسلم الفاروق، كأنه فرق في ذلك اليوم بين الخفاء بالدعوة وبين ظهورها، أو بين المسلمين والمشركين، حيث تميزت جماعة المسلمين حينما دخل عمر في الإسلام وكان ابن مسعود يقول: (إسلام عمر فتح، وهجرته نصر، وخلافته رحمة) من هنا سمي الفاروق، وذلك كما سمى الله سبحانه وتعالى يوم بدر يوم الفرقان؛ لأنه يوم فرق الله فيه بين قوة الشرك الطاغية وبين قوة الإسلام الداعية إلى الله.