للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم الجمع بين الأختين في النكاح]

السؤال

الله سبحانه وتعالى ذكر المحرمات في النكاح، ثم قال: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء:٢٤] ، وهناك: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون:٥-٦] ؛ فأطلق عموم الزوجات، والرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن جمع المرأة مع خالتها، أو مع عمتها، فهل هذا يكون ناسخاً لقوله: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء:٢٤] ؟

الجواب

الجمهور على أن السنة الآحاد لا تنسخ الكتاب، والخلاف مشهور عند الأصوليين: هل هذا جائز شرعاً وواقع فعلاً أم لا؟ ووالدنا الشيخ الأمين رحمة الله تعالى علينا وعليه يقول: هو جائز عقلاً، ومُخْتَلَف في وقوعه فعلاً.

أما هذا الحديث مع تلك الآية فليس من باب النسخ؛ ولكنه من باب التخصيص، {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} من جميع الصور في الزوجات ما عدا المسمى، ويُخَصُّ من وراء ذلك خصوصُ الجمع بين المرأة وخالتها والمرأة وعمتها.

والشافعي رحمه الله يقول: ما من حديث عن رسول الله إلا وله أصل في كتاب الله.

ولعل هذا الحديث مأخوذ ومنطلَق من قوله: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء:٢٣] ، ولما قيل لرسول الله: (تزوَّج بنت فلان، قال: لا تعرضوا علي نساءكم، فقالت: إن خير من يشاركني في خير أختي) ، فكانوا يرون أن الأخت تشارك الأخت في الخير، وعرضت بعض زوجات النبي أختها على رسول الله، فقال: (إنها لا تحل لي) .

إذاً: نقول: تحريم جمع المرأة مع خالتها، والمرأة مع عمتها، قريب من تحريم الجمع بين الأختين؛ لما فيه من قطيعة الرحم.

لماذا نهى الله أن نجمع بين الأختين؟ لأن هناك منافسة، ولئلا يكون هناك طلاق: (لا تطلب إحداكن طلاق أختها لتكفئ إناءها) يعني: لا تطلب طلاق أختها ليتزوج بها.

إذاً: يكون هناك منافسة وقطيعة، فكذلك المرأة مع بنت أختها والمرأة مع بنت أخيها.

والحنابلة يقولون: جمع المرأة مع بنت عمها يكون جائزاً؛ لأن العم أبعد قليلاً، وابن العم يتزوج ببنت العم، فكونه يجمع بين ابنتي العم فلا مانع، أو ابنتي الخالة فلا مانع، أما الخالة وابنت أختها فلا؛ لأن بنت الأخت مثل البنت، والخالة مثل الأم، فكأن الحديث له علاقة بما جاء في نص القرآن الكريم، وليس هذا من باب النسخ؛ ولكنه من باب التخصيص، وأجمع الأصوليون على جواز تخصيص الكتاب وتقييده بالسنة الآحاد كقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة:٣] ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أحلت لنا ميتتان ودمان) ، فيكون هذا تخصيص لعموم قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة:٣] وكذلك الأمر هنا: تخصيص لعموم (ما وراء ذلك) .

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبيه محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.