قوله صلى الله عليه وسلم:(لا يؤمن أحدكم) أي: لا يبلغ حقيقة الإيمان حتى يتصف بهذه الصفة، وهذه صفة لو طبقت لألغيت المحاكم والسجون؛ لأنه إذا أصبح كل إنسان يحب لأخيه ما يحب لنفسه فلن يحصل اعتداء، ولا ظلم، ولا بغي، ولا حسد، ولا حقد، ولا غل، ولا سخرية.
إلى آخر الشرور، وقد طبق النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث في الشاب الذي جاءه وأعلن إسلامه وقال:(يا رسول الله! أريد أن تأذن لي في شيء واحد، قال: ما هو؟ قال: في الزنا، فنهره أصحاب رسول الله وزجروه، فقال عليه الصلاة والسلام: هلم! ادن، فدنا الشاب وأجلسه بين يديه، وسأله فقال: أترضى ذلك في أختك؟ قال: لا والله! قال: أترضاه في ابنتك؟ قال: لا، أبداً.
قال: أترضاه في أمك؟ قال: لا، أبداً، قال: كذلك الناس لا يرضونه في محارمهم) ، وهذا من تطبيق الحديث: أن تحب للناس ما تحبه لنفسك، وأن تكره للناس ما تكره لنفسك.
وهذا تطبيق عملي من الرسول صلى الله عليه وسلم مع هذا الشاب في موضوع خطير جداً، فالشاب كان يجب شيئاً محرماً، ولكن بصره رسول الله صلى الله عليه وسلم بشره فانتهى، فكما أن لك محارم فللناس محارم، فإن كنت ترضاه لنفسك فهذه نقيصة، وإن كنت لا ترضاه لنفسك فكيف ترضاه للناس؟ ومن هنا كف الشاب عن ذلك، وأبغض الزنا! ولو أن كل شاب طبق هذا الحديث في نزواته لما زنى أحد؛ لأنه لا يرضى ذلك في محارمه.
وكذلك المال، قال صلى الله عليه وسلم -فيما معناه- (لا يحلب أحد ماشية أحد، فإنما هي تحزن طعامهم) أرأيت لو أن إنساناً جاء إلى مخزنك وأخذ منه طعامك وشرابك! وكأنه يقول: تلك الإبل المحفلة بالحليب تحمل غذاء أهلها، فإذا أخذت هذا الحليب، أترضى أن يخلفك إنسان إلى مخزن بيتك ويأخذ رزقك وطعامك من هناك؟!
الجواب
لا، إذاً: دع أرزاق الناس مكانها، فلو طبق هذا أيضاً من جهة المال لما سرق سارق؛ لأنه لا يرغب إنسان أن يسرق ماله، ولما ظلم ظالم ولا اغتصب غاصب؛ لأنه لا يرضى إنسان أن يظلمه أحد أو يبغي عليه أحد، وهكذا.