والعلقة كما يقول جميع المفسرين: قطعة دم جامدة، أو دم متجلط متجمد، ويخالف في ذلك علماء الأجنة فيقولون: العلقة ليست قطعة دم جامدة، ولا يمر بالجنين فترة تجمد قط، إنما العلقة: من العلوق؛ لأن الجنين بعد فترة النطفة يعلق بجدار الرحم، وترتيب ذلك عندهم: أن الله سبحانه كما أوجد في الرجل إحدى الخصيتين لإفراز الماء المنوي، أوجد في مقابله البويضتين عند المرأة، والجهاز التناسلي في الرجل يعادل تماماً الجهاز التناسلي في المرأة مع اختلاف في الشكل، فللرجل ذكر بارز، وللمرأة مهبل داخل، وللرجل إحدى الخصيتين لإفراز المني وطبخه، وللمرأة المبيضان لإفراز البويضات، ومن حكمة الله أن أحد المبيضين يفرز شهراً ويستريح آخر، والثاني يفرز شهراً ويستريح آخر، وفي كل شهر تأتي البويضة، ويقولون: إن أكبر خلية في جسم الإنسان هي البويضة، ولا تصل إلى حبة العدس في حجمها، فتخرج من المبيض وتأتي إلى قناة الرحم، وتنتظر عند فم الرحم، فإذا حصل لقاء الرجل بالمرأة، يسبق واحد من الحيوانات فقط فيعلق بالبويضة، وحينئذ يحصل التلقيح فتأخذ طريقها من قناة الرحم إلى أن تستقر في الرحم، وبعد سبعة أيام تنغرز وتنزرع تلك البويضة في جدار الرحم، وهناك تعلق ويستقر مصيرها، فأول يوم تمشي بالحيوان المنوي في قناة الرحم وتبدأ بالانقسام فتصير إلى خليتين، والخليتان تنقسمان إلى أربع، والأربع إلى ثمان، وهكذا في تكاثر حتى تصل إلى الرحم في شكل يعرف عندهم بالتوتة -أي حبة التوت- لأن حبة التوت عبارة عن خلايا متراصة فيما بينها، وهكذا تكون البويضة على شكل حبة التوت فتأتي إلى داخل الرحم، وجدار الرحم يكون كالإسفنجة فتعلق فيه تلك البويضة على شكلها الذي وصلت إليه ثم تبدأ تنقسم وتتزايد ويصير داخلها ماء سائلاً، وينقسم هذا الماء إلى متغذ، وإلى متغذىً به، وهكذا يبدأ تخطيط الجنين من الأسبوع الأول، بمعنى أن الله سبحانه بقدرته يقدر أوضاع هذا الجنين بعد أن قدر أنه مخلوق، ويمضي في نموه إلى أن يبلغ أربعين يوماً، ثم يبقى في تخطيطه الداخلي -أي: المقدر دون أن يرى ولا يشاهد- حتى إذا بلغ إلى المرحلة التي يكون قد استكمل فيها التخطيط خلال الأربعة الأشهر، هناك يأتي إليه الملك وينفخ فيه الروح بعد أن يكون قد خطط ورسم، ووضع كل جزء فيه في مكانه، وتميز الرأس عن المنكبين، واليدان عن القدمين، ووضعت أجزاؤه الداخلية، والقلب قد يوجد من الأسبوع الرابع أو قبل ذلك، وهكذا تتكون جميع أجزائه الداخلية والخارجية، وكل عضو فيه يكون قد وجد بالفعل وأخذ مكانه، فإذا جاء الملك ونفخ فيه الروح بدأ بالحركة، ومن هنا يقول العلماء: جعل الله سبحانه عدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا.
أما المطلقة فإن عدتها تكون ثلاثة أشهر أو ثلاثة أقراء؛ لأن المطلقة زوجها حاضر إذا ادعت حملاً لم يكن موجوداً أو نفت حملاً هو موجود كان الزوج المطلق هو صاحب هذا الحمل، فإن ادعت حملاً معدوماً قام ونفى حتى لا تطالبه بنفقة العدة، أو أنها نفت حملاً موجوداً وذهبت لتسقطه قام يدافع عن ولده.
أما المتوفى عنها زوجها فليس لها ولي يطالب أمامها، وليس خصمها موجوداً فلا يمكن أن تدعي حملاً ليس موجوداً، ولا تستطيع أن تنفي حملاً موجوداً بالفعل؛ لأنه إذا بلغ الأربعة الأشهر ونفخ فيه الروح صار الجنين بعد ذلك يتحرك بداخلها، إن لم يكن في اليوم الأول ففي اليوم الثاني، أو الخامس، أو العاشر، فحينئذٍ إذا استكملت الأربعة أشهر وعشرة أيام وادعت بعد ذلك حملاً عرضت على النسوة، فإذا عرضت على ذوات الخبرة فلا يحتجن إلى أشعة، ولا إلى ماء وهرمونات، ولا إلى أن يضعن أيديهن على بطنها فيشعرن بالحركة، أي: أن الجنين يثبت نفسه، وإذا ادعت حملاً وعرضت على القوابل أو ذوات الاختصاص فلم يجدن عندها شيئاً، بطل ادعاؤها، وهكذا تتفق عدة الوفاة، وتتفق أطوار الجنين هنا عند الأربعة أشهر بنفخ الروح فيه.
وهنا في هذا الحديث:(أربعين يوماً علقة) والعلقة قال فيها جميع علماء التفسير: قطعة دم جامدة، والطب يقول: لا يأتي على الجنين فترة تجمد قط؛ لأنه في نمو منذ أن خلق، ويبدأ الانقسام بعد ثلاثة أيام، وسيترتب على هذا من الأحكام الفقهية ما سننبه عليه في آخر الحديث إن شاء الله.