وهنا في قوله سبحانه:{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ}[السجدة:١٦] ، لعل {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ} عامة، و {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} أخص العبادات لأنه كما جاء في الحديث: (الدعاء هو العبادة) ، {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}[البقرة:١٨٦] .
وهل الإشارة في قوله:{يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} يقصد منها الدعاء بذاته، أم الصلاة التي فيها الدعاء؟ ذكر ابن كثير عند هذه الآية الكريمة أن معاذاً كان مع النبي صلى الله عليه وسلم قال: كنت مع النبي في سفر فدنوت منه فسألته وذكر هذا الحديث، ثم روى ابن كثير حديث:(عجب ربنا لرجلين، رجل نهض من فراشه ومن تحت لحافه ومن بين أحبته وقام يصلي لربه) فالحديثان يدلان على أن القيام المقصود منه الصلاة، وهكذا ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم في حق عبد الله بن عمر:(نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل) ، فيقول سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنه: فما ترك قيام الليل بعدها.
وبعض العلماء يفسح المجال مع الصلاة للذكر ومدارسة العلم.
وقد قيل لـ سعيد بن المسيب رضي الله تعالى عنه: انظر إلى بني فلان، يذهبون في وقت القيلولة إلى المسجد يصلون الظهر ويحيونه إلى صلاة العصر، يذكرون الله، قال: يا ابن أخي ليست هذه بالعبادة، العبادة التأمل في كتاب الله والتدبر في معانيه واستنتاج المسائل والفقه إلى آخره، وأشرنا إلى الشافعي الذي كان يبيت ليله مستلقياً يتأمل في حديث من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلى الصبح بوضوء العشاء.
إذاً: يدعون ربهم هنا عامة، فقد يجلس إنسان يدعو ربه، أو يتأمل في ملكوت الله في سكون الليل وليس هناك ما يشوش عليه، فيستجمع حسه كله، ويوجه فكره كله إلى هذا العالم، وما يجري فيه، ويستدل بهذا المحسوس على ما غاب عنه.