[وجوب الإيمان بعالم الملائكة الغيبي ودليله]
نحن إن لم نشاهد الملائكة فإننا آمنا بالله الذي أرسل رسوله وأنزل كتابه، وآمنا برسول الله الذي بلغنا عن الله وأخبرنا بوجود الملائكة، هل نقول: لا نؤمن بها لأننا لم نرها؟ لا والله، بل من لطف الله بالأمة أن يري بعض أفراد الأمة بعض آحاد الملائكة، وهذا ما أشرنا إليه عند قضية ابن عباس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك لما جاء العباس يستأذن على رسول الله ولم يأذن له وهو يراه بعينه داخل البيت، فرجع مغضباً، فقال له ابنه: لعله مشغول بالرجل الذي عنده، قال: وهل عنده أحد؟ قال عنده رجل: فرجع، ولما رجع كان الرجل قد ذهب، فقال: يا رسول الله! جئتك أستأذن عليك ثلاثاً فلم تأذن لي، ويقول هذا الغلام: إنك كنت مشغولاً برجل عندك، فقال صلى الله عليه وسلم للغلام: (هل رأيته يا غلام، قال: بلى رأيته، قال: هذا جبريل ذهب عني آنفاً) .
وجاء في صورة دحية الكلبي.
وكذلك قضية الرجل من الأنصار: خرجت مع أهلي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يقاوم رجلاً، فجلست وظننت أن له حاجة، ثم صرت أرثي لطول قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما ذهب الرجل جئت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرته، قال: (هل رأيت الرجل؟ قال: قلت: نعم، قال: تدري من هو؟ هذا جبريل، ولو سلمت عليه لرد عليك السلام، وما زال يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه) .
وخديجة رضي الله تعالى عنها لما غاب عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهراً، وكان من عادته أن يذهب هو وعلي رضي الله تعالى عنه في أي مكان من الأمكنة يعبدان ربهما، فلما غاب عنها قامت تطلبه، وخافت عليه من قريش، وأخذت غداءه معها، فلقيها جبريل في صورة رجل، قال: إلى أين أنت ذاهبة يا خديجة؟ قالت: ذاهبة إلى محمد، قال: وأين محمد؟ قالت: لا أدري.
فلما وجدت رسول الله وجاء إلى البيت جاء جبريل وقال للرسول صلى الله عليه وسلم: (أقرئها من الله السلام، وأن الله يبشرها بقصرٍ في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب، يرى ظاهره من باطنه) ، إلى آخر الحديث، وهذه خديجة ترى جبريل في صورة رجل.
وكذلك الرجل الذي قتل تسعاً وتسعين نفساً، ثم أتم المائة بالعابد، وخرج تائباً إلى القرية التي يعبد الله فيها، فمات في وسط الطريق فأتته ملائكة العذاب وملائكة الرحمة يختصمون فيه، فيرسل الله إليهم ملكاً في سورة رجل فيحتكمون إليه.
وكذلك الرجل الذي خرج يزور أخاه في الله في قرية، فأرسل الله إليه ملكاً على صورة إنسان، وقال: أين تذهب؟ قال: أزور أخاً لي في الله.
قال: هل بينك وبينه قرابة أو شراكة في تجارة؟ قال: لا، قال: أحبك الله الذي أحببته فيه.
إلى غير ذلك من الصور التي هي من آحاد رؤية بعض البشر لبعض الملائكة.
إذاً: على بقية أفراد البشر أن يؤمنوا ببقية أفراد الملائكة، وقد جاءت النصوص في عمومها تشمل أركان الإيمان المذكورة، قال الله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} [البقرة:٢٨٥] ، إلى غير ذلك، وهذا ما ينبغي على كل مسلم أن يؤمن به، أي: بأن لله ملائكة على أية حالة أو أي صفة كانوا.