ما هو الوقت الصحيح لصلاة الضحى؟ يتفق العلماء: أن الصلاة النافلة لا تصح عند طلوع الشمس، ويقولون: حتى ترتفع الشمس قدر رمح، وعلي رضي الله تعالى عنه لما رأى بعض الناس يصلي الصبح ويجلس فإذا أشرقت الشمس صلى وذهب، قال: ما بالهم ينحرونها؟ لماذا لا ينتظرون حتى تكون في الجبهة؟ أي: تكون الشمس في جبهة القائم، وارتفاع الشمس قدر رمح، ويدرك ذلك من كان في خلاء وفضاء، أو كان على ساحل بحر؛ فإنه يرى الشمس كأنها تنبت من الأرض في نهاية الأفق -كما يقولون- الميل، والميل حينما تنظر إلى الأمام -كلٌ بحسب نظره قوة وضعفاً- في منتهى الإبصار ترى أن السماء قد مالت على الأرض، والتقت في زاوية حادة عند نقطة الصفر، فحينما تخرج الشمس من تلك النقطة -نقطة الميل- وترتفع عن نقطة صفر في الأرض صاعدة إلى السماء تأخذ تدريجياً حافة القرص أولاً، ثم ينتصب، ثم يكمل ظهوره، ثم يأخذ الانفصال والارتفاع عن سطح الأرض، وإذا بلغ ارتفاع قرص الشمس عن سطح الأرض مقدار رمح حلت الصلاة، والرمح هو الآلة التي كان يستخدمها الناس في القتال، وغالباً ما تكون بقامة إنسان أو دون ذلك، وحينئذٍ جاز أن تصلي النافلة.
ولكن جاء في الحديث:(صلاة الأوابين حين ترمض الفصال) والفصال جمع فصيل، وهو ولد الناقة، يمشي في بكرة النهار مستريحاً، ولكن إذا اشتدت الشمس وارتفعت أكثر من رمحين قبل أن تصل إلى الزوال، أي: في ربع السماء، ومعنى ربع السماء: أي: نصف الدائرة من نقطة الشروق إلى نقطة الغروب، فنصفها هو وقت الزوال، ومن نقطة الزوال إلى الشروق منتصف المسافة الربع الشرقي، ومن نقطة الزوال إلى نقطة الغروب منتصف المسافة الربع الغربي، فإلى أن تأتي الشمس في ربع السماء الشرقي هناك ترمض الفصال، تحتر الأرض الرملة -وهي الرمضاء مثل الرماد الحار- فالفصيل الصغير لا يقوى على المشي؛ لأن الرمل يحرقة تحت خفه فلا يقوى عليها فيربض في الأرض، قالوا ذلك الوقت هو: صلاة الأوابين، وأحسن أوقاتها ذلك الوقت.
إذاً: أول وقت الضحى: إذا ارتفعت الشمس قدر رمح، وآخر وقتها: حينما ترمض الفصال، وعدد ركعاتها -كما أشرنا- أقلها ركعتان، وأكملها ثمان، وأوسطها أربع، والله سبحانه وتعالى أعلم.
لو جئت إلى قوله:(ويجزئ عن ذلك: ركعتا الضحى) حينما تفكر في الركعتين إن جئت إلى الحسنات التي يمكن أن تتميز فيها في الركعتين، كيف تفعل؟ يعني: لو جئنا على سبيل العرض والإيراد من باب لفت النظر أول عمل في الصلاة: تكبيرة الإحرام، ثم تقرأ الفاتحة، ثم تكبر، ثم تركع، وتسبح ثلاث مرات، ثم ترفع وتقول: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد إلى آخر الذكر، ثم تكبر وتسجد، ثم تسبح ثلاث مرات، ثم تكبر وتجلس، ثم تدعو، ثم تكبر وتسجد، ثم تسبح ثلاث مرات، ثم تقوم للركعة الثانية، فلو أحصيت هذه الحركات وتلك الأذكار بالإضافة إلى سورة الفاتحة فقط، والفاتحة تشتمل على مائة وثلاثة حروف كما يقول النيسابوري في عده للحروف، فلو جمعت جميع ما يكون من تلك الحركات، والتكبير والتسبيح تصير حوالى ستين حسنة مستقلة، فلو ضربت الستين في اثنين صارت مائة وعشرين، ولو ضربت مائة وثلاثة في اثنين صارت مائتين وستة، واجمع إليها مائة وعشرين تصير ثلاث مائة وستة وعشرين، ولعل الباقي يأتي في الدعاء أو في خطواتك إلى المسجد، ولو أراد إنسان أن يستخرج بعض الشيء: كيف تعادل الركعتان ثلاث مائة وستين، ربما يجد في الركعتين ما يعادل ذلك إذا اعتبرناها على انفرادها.
وكل هذا من باب تفتيح الذهن، وربط حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بموضوعه، لماذا خص ركعتين؟ ولماذا لم يقل: أربع؟ ولماذا لم يحيل على الصوم؟ ولماذا لم يجعلها في الليل؟ وكل ذلك موضع لأسئلة العلماء.
والله أسأل أن يوفقنا وإياكم جميعاً لما يحبه ويرضاه، وأن يشرح صدورنا لما يحبه ويرضاه، وأسأله أن يرضى عنا.
اللهم علمنا ما جهلنا، وذكرنا ما نسينا، وتقبل منا إنك على كل شيء قدير.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم.