مثل قوله تعالى:{وَقَضَى رَبُّكَ}[الإسراء:٢٣] : (الكاف) هذه متوجهة إلى المخاطَب بها، وهو الرسول صلى الله عليه وسلم.
{أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً}[الإسراء:٢٣-٢٤] : أين أبَوَا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُف} سبحان الله! أبوه توفي وهو حملٌ في بطن أمه، وأمه توفيت وعمره خمس سنوات، والقرآن نزل عليه بعد أن جاوز الأربعين من عمره.
فكيف يقول:{إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا}[الإسراء:٢٣] ، وهما غير موجودين الآن؟ {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ}[الإسراء:٢٣] ، هو ليس بقائل لهما.
{وَلا تَنْهَرْهُمَا}[الإسراء:٢٣] : هما ليسا موجودَين حتى ينهرهما؛ فالخطاب -إذاً- خاص بشخصه صلى الله عليه وسلم، والحكم لغيره.
ولماذا جاء الخطاب بخصوصه مع أنه ليس داخلاً فيه؟ إعظاماً لحق الأبوين، أي: لو كان أبواه على قيد الحياة لكان هذا حكمهما، حتى ولو ماتا على الكفر، قال سبحانه:{وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا}[لقمان:١٥] .
تحسسوا رحمة الله يا إخوان! تحسسوا سعة فضل الله، الأبوان كافران يجاهدان الابن على أن يشرك بالله، والمولى سبحانه الذي يأمران بالإشراك به يقول:{وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً}[لقمان:١٥] : يحرضاني على الشرك وتقول لي: صاحبهما بالمعروف! أبواك هما سبب وجودك، حقي أنا متساهل فيه؛ لكن حقهم عليك لا تضيعه، ما دمت مسلماً لي وعبداً من عبادي؛ فإني أريدك على المثالية العليا، لا أريد عبداً من عبادي يضيع حقاً واجباً عليه.