للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[هل الجهاد فرض عين أم فرض كفاية؟]

إذا كان الأمر كذلك: فما حكم الجهاد على الأمة أو على الفرد؟ اتفق السلف -أما الخلف لا كلام لهم في هذا؛ لأنهم أسقطوه بالكلية- على أن الأصل في الجهاد أنه فرض كفائي، والفرض الكفائي المراد منه: وقوع المطلوب، ولا ينظر إلى من يقوم به، كما في أمور الجنائز، من تغسيل الميت، وتكفينه ودفنه، قصد الشارع إيواء جثة المسلم بتغسيلها وتكفينها ودفنها، من الذي يقوم بذلك؟ الأمة كلها مخاطبة بهذا، فإذا قام واحد من الأمة أسقط الواجب عن الجميع.

فكذلك قتال المشركين فرض كفائي، إذا قامت به جماعة من المسلمين سقط عن الباقين.

وأما من هو المطالب بهذا الأمر؟ فنحن نعلم جميعاً أنه في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، كان المسلمون كلهم مجندون، كانوا في الجاهلية أهل حرب وقتال، كل ينشأ على الفروسية، ولا يحتاجون إلى ميادين تدريب، ولا إلى كليات يتعلمون فيها، صحراؤهم هي ميادينهم، فيأتي الأعرابي بفرسه ودرعه ورمحه وسيفه جندي مقاتل، وكل كان يجهز نفسه، وعندما رجعوا من تبوك ومروا بمدائن صالح، وعجنوا خبزهم من مياه مدائن صالح، أمر الرسول أن يعلفوا العجين للدواب، فقد كان المجاهد بنفسه يجهز ويمون نفسه ويأخذ طعامه معه، فهو يصنع طعامه ويحمل زاده، ويأتي بسلاحه.

أما بعد ذلك، حينما أصبح للمسلمين مردود، جاء عمر رضي الله تعالى عنه ودون الدواوين، أي: كتب الجنود في دواوين، وأصبح بعض الناس متخصصاً للقتال وله ديوان سنوي أو شهري، وأعطى المهاجرين والأنصار ورتب لهم، فكان هناك أشخاص مسجلون للقتال في أي وقت، يشبه في الوقت الحاضر الذي يسمونه: الجيش الاحتياطي: هم جماعة دربوا سواءً دربوا من الخارج للجيش، أو أحيلوا على التقاعد من الجيش، أو سُرحوا من الجيش، عند الضرورة يجمعون، فكان هؤلاء مدونون في الدواوين وعند أية غزوة إذا جاء النفير اجتمعوا.

ففي ذاك الوقت كان أشخاص يقومون بهذا الواجب، بعد ذلك دُولت الدول، وخصصت الطوائف، وأصبحت الجيوش رسمية، وأوجد جيش في كل دولة، إذاً: الفرض الكفائي يقوم به: الجيش النظامي، وهو القائم بالفرض الكفائي عن الأمة المسلمة الآن، ولذا المواطنون، أو القاعدة الشعبية لا تتدخل إلا عند استنفار الإمام لها، وعلى هذا: إذا دخلت الدولة في حرب مع العدو، من الذي يقوم بفرضها الكفائي؟ الجيش؛ لأن الجيش معد لذلك، وخاصة في تلك الآونة؛ لأن الحرب لم تعد سيفاً ورمحاً، بل أصبحت حرب آليات، تستخدم فيها التكنلوجيا العلمية، والأسلحة الكيميائية، والذرية.

إذاً: أصبحت الحرب الآن تقوم على علم وصارت إنتاجاً عسكرياً خاصاً، ولا يتعامل مع تلك الآليات إلا الدارس لها، إذاً: الفرض الكفائي اليوم يقوم به من؟ الجيش النظامي، كل في ميدانه، وأصبح هناك سلاح جوي، ومدرعات، وسفن، وغواصات، وكل ذلك مقابل سلاح يماثله لدى العدو.

إذاً: لا يتدخل في الفرض الكفائي شخص أعزل، لا أقول أعزل من السلاح، بل أعزل من العلم العسكري، أعزل من التدريب والتمرين العسكري، أعزل من معرفة التعامل مع تلك الآليات، وإلا كان تعريضاً لضياع نفسه، وكان فقداناً لنفسه بدون مقابل.