قال صلى الله عليه وسلم:(بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم) .
(بحسب) أي: بكفيه، نقول: حسبي كذا.
بمعنى: يكفيني.
وامرؤ: مذكر امرأة.
لأن الأصل في الوضع في اللغة للمذكر، ويؤتى للمؤنث بالعلامة الفارقة، وهي الزائدة؛ لأن الزيادة تدل على الفوارق، فامرؤ مؤنثه امرأة.
وإذا كان التعبير هنا بلفظ المذكر فدائماً وأبداً يقولون: إن المذكر يغلب، فلو وجد مائة امرأة ومعهم طفل ذكر لرجع الضمير على المذكر.
فالمعنى: بحسب امرئ وامرأة كذلك من الشر أن يحقر أخاه المسلم.
والآية الكريمة تفصل، حيث يقول تعالى:{لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ}[الحجرات:١١] ، والسخرية قد تكون بالغمز واللمز، وقد تكون بالإشارة، وفي بعض الآثار أن بعض زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءت وخرجت، فواحدة قالت: حسبك منها أنها -أي: غير طويلة- وأشارت بيدها، فقال:(لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته) ، ما قال: بماء العين؛ لأن مياه العيون عذبة، والماء العذب أقل شيء يغيره، لكن ماء البحر مالح، وملوحته وكثافة الملح فيه تجعله يحتمل الكثير، ولا يتغير إلا بالشيء الكثير جداً يزيد عن الملوحة وكثافته.
فبحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، وهنا يقول العلماء: في هذا اللفظ أيضاً مقارنة، فالشخص الذي يحقر الثاني لأي شيء يحقره؟ فإذا كان يرى نفسه مثله، فهل يحقره؟ وهل هناك إنسان يحقر إنساناً مثله؟ فلو أن طالبين كلاهما راسب في الفصل، أيحقر أحدهما الآخر؟ ولو كانا ناجحين أيتفاخر أحدهما على الآخر؟ إلا في حال كون درجات أحدهما أكثر، لكن لو كانت درجات كليهما متساوية فهل من حق أحدهما أن يفخر على الآخر؟ فلا يحقر الإنسان إنساناً وهو يرى نفسه مساوياً له، بل إن وجد نفسه على قمة الجبل ووجد الثاني ينحدر في الوادي فحينئذ يحقره، أو كان يسكن في قصر عالٍ جداً وهذا في كوخ، أو كان يركب فرساً جواداً، وذلك يمتطي سلحفاة.
فلا يحقر إنسان إنساناً إلا إذا رأى لنفسه عليه فضل زيادة، وفضل الزيادة المقابل للاحتقار التكبر، ولذا يأتي الحديث:(العز إزاري والكبرياء ردائي، فمن نازعنى في شيء منهما عذبته) ، وفي الحديث:(لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر) .
ولذا كان جزاء الاحتقار قوله:(بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه) ؛ لأن من لوازم احتقاره لأخيه المسلم أن يتعاظم في نفسه، وإبليس ما حسد آدم واحتقره إلا حين رأى نفسه أنه من عنصر ناري فوق الخلق، فكانت الطامة عليه، عياذاً بالله.