[الإيمان بصفات الله تعالى دون تكييف]
هذا الحديث يسوق عنده العلماء الحديث الآخر: (وإن تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإن تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة) ، والأحاديث التي تدخل في باب الصفات ليس لإنسان أن يحكِّم العقل فيها، ولا أن يورد عليها تكييفاً من عنده؛ لأن الكيف لا ينبغي من الإنسان في حق المولى سبحانه، وقد نهانا عن ذلك وقال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:١١] ، ومذهب السلف الصالح كما قال مالك عندما سئل عن الاستواء، فأطرق وأخذه العرق واشتد به الأمر، ثم رفع رأسه وقال: (الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب) .
وكذلك قال ربيعة الرأي شيخ مالك، وكذلك قالت أم سلمة، فكلهم حينما سُئلوا عن الاستواء كان جوابهم واحداً.
ويقول الشافعي رحمه الله في هذا الباب: (نؤمن بالله وبما جاء عن الله على مراد الله، ونؤمن برسول الله وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله) .
ويقول الإمام ابن تيمية رحمه الله: (نحن كلفنا بإيمان تصديق لا بإيمان تكييف) .
ولهذا سلف الأمة يثبتون صفات المولى سبحانه على مراده، ويقولون: إثبات بلا تكييف ونفي بلا تعطيل، إثبات الصفات بلا تكييف لها: فلا يقال: كيف كذا وكيف كذا، ونفي لما لا يليق بجلال الله دون تعطيل المولى عن صفاته الحقة.
وهكذا قوله في هذا الحديث: (إن تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً) ، نحن ندرك الشبر والذراع، ولكن المولى من يدركه من خلقه؟ (وإن تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة) ، فهذه الصفات لا ندرك حقائقها كما نتصور إلا في المخلوق، وأما في ذات المولى فلا.
وكما جاء في الحديث (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر) ، وأين السماء من عظمة الله؟ (ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة) .
فكيف نتصور بالعقل المحدود أن المولى ينزل إلى السماء الدنيا، وهل هو كنزولنا؟ لا والله! وهل السماء تسعه؟ لا نستطيع أن نكيف فالعقل محدود، ويعجز أن يكيف صفة من صفات الله.
فيجب أن نثبت صفات الله كما جاء عن الله وعن رسول الله، ولا أعلم بوصف الله من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وختاماً أيها الإخوة! نحمد المولى سبحانه أن امتن علينا بهذه النعمة، ونشكره سبحانه أن وفقنا وإياكم إلى نهاية هذا المجموع المبارك، ونسأل المولى أن ينفعنا وإياكم وكل مسلم بما علَّمنا، وأن يوفقنا للعمل بما علّمنا، وأن يرزقنا حسن الإخلاص وحسن التوجه إليه، وأن ينفعنا وإياكم بما علمنا، وأن يرزقنا وإياكم شفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأن يجزيه عنا وعن الإسلام والمسلمين أفضل ما جازى نبياً عن أمته، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.