للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[استيعاب قليل العلم خير من تضييع كثيره]

هنا أبو الدرداء أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلب منه أن يوصيه، فبماذا أوصاه؟ هناك قال لـ معاذ: (لا تدعن دبر كل صلاة أن تقول: اللهم! أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) ، وهناك وصايا عديدة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأمور متعددة، ويهمنا في هذا الموقف وصيته لهذا الرجل الذي طلب وصية رسول الله، وتحفظ في طلب الوصية فقال: لا تكثر عليّ لعلي أعقل، والمراد بالعقل هنا: الإدراك، والحفظ، قال صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) ، ولم يقل: يحفظه؛ لأن الفقه هو: الفهم، والفهم ثمرة الحفظ، كما جاء في الحديث: (رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه) .

فالنبي صلى الله عليه وسلم تحقيقاً لرغبة السائل لم يكثر، فقال: (لا تغضب) ، فكأن لسان حال السائل يقول: أهذه الوصية التي جئت من أجلها، وتعبت لأسألك، وأهتم لذلك، ثم تقول لي: (لا تغضب) ، فكرر: (يا رسول الله! أوصني، قال: لا تغضب) .

وفي بعض الروايات أنه جاءه عن يمينه ثم جاءه عن يساره ثم جاءه من أمامه، قال: (ألا تعقل! لا تغضب) ، وفي بعض الروايات أنه قال: أوصني، علمني حسن الخلق، فقال: (لا تغضب) ، وكل الروايات جاءت بالتأكيد على عدم الإكثار، فقال: (لا تغضب) فهذه كلمة كل من يسمعها يتقالها، وفي بعض الروايات أن السائل قال: (فتأملت في الغضب فوجدت تركه ترك الشر كله) .

وفي بعض الروايات: (فتأملتها فإذا هي جامعة الخير كله) ، هذه الكلمة يقف عندها علماء الأخلاق، كما فعل ابن مسكويه، ويقف عندها علماء التشريع في الفقه، في آثار فعل الغضبان، ويقف عندها علماء التربية والتوجيه.