للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اعتراض ابن عباس على من أسقط قضاء الفوائت من الصلوات]

وابن عباس رضي الله تعالى عنهما يقول: (يا سبحان الله! إذا كان الترك بسبب النسيان أو النوم وقد أوجب عليهما النبي عليه الصلاة والسلام القضاء مع رفع القلم عنهما، فكيف لا نوجب القضاء على من تركها عمداً ( {فليصلها إذا ذكرها، فإنه لا وقت لها إلا ذلك) ، وقد ثبت أن المصطفى صلى الله عليه وسلم وجمع الصحابة في عودتهم من بعض الأسفار في غزوة نزلوا وعرّسوا، فقال النبي: (من يكلأ لنا الفجر، فانتدب بلالاً، فأسند بلال ظهره إلى راحلته، واستقبل المشرق بوجهه، ينتظر الفجر ليخبر ويوقظ النائم، فنام كما نام غيره، ولم يوقظهم إلا حر الشمس، بعد أن خرج الوقت) ، هل أسقطها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ حتى إنه ليروى في ذلك: (بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما استيقظ وجاء أبو بكر آسفاً، قال: يا أبا بكر! لكأني بـ بلال قد جاءه الشيطان يهدهده كما تهدهد الأم طفلها حتى نام، ثم ناداه: تعال يا بلال! أين كنت؟ قال: أخذ بروحي الذي أخذ بأرواحكم) ، يعني: أنا مثلكم، فاعتذر بأمر واقع، قال: (والله يا رسول الله لقد أنخت راحلتي وأسندت إليها ظهري، واستقبلت المشرق أنتظر الفجر، فإذا بالشيطان يأتي ويهدهدني كما تهدهد الأم طفلها حتى نمت، فقال أبو بكر: أشهد إنك لرسول الله) ، هنا ماذا فعل رسول الله؟ هل قال: ما عليكم! خرج الوقت وانتهينا! لا؛ قال: (اجتازوا هذا الوادي فإن فيه شيطاناً، واجتاز الوادي، وتوضئوا، وأمر المؤذن فأذن، وصلوا سنة الفجر، ثم أمره فأقام وصلوا الفريضة) .

فـ ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يقول: (حينما تفوته بعذر مقبول شرعاً نوماً أو نسياناً تكلفونه بالأداء، وحينما يتعمد تركها تخففون عنه وتتركونه!) يعني: أمر متناقض.

إذاً: من ترك الصلاة متساهلاً، ثم هداه الله ورجع، يعلم بأن ما فات من الصلوات دين عليه، ولكن لا ينبغي أن نأتي ونقول: قم الآن وأد ما عليك قضاء السنوات الماضية، فيقعد سنة أو سنتين، أو شهر أو شهرين وهو معتكف يؤدي الذي عليه، وإنما عليه أن يكثر من قضاء الفوائت حسب الترتيب، وكما يقول الفقهاء من باب التخفيف عليه: يصلي مع كل فريضة مثلها إلى أن يقضي زمناً يعادل الزمن الذي ترك فيه الصلاة، وإن قُدر ومات في أثناء ذلك قبل أن يوفي فهو على نيته، والله أولى به.

ويقتل من ترك الصلاة، بعد رفع أمره إلى ولي أمر المسلمين المسلم، وحبسه وأمره بالصلاة؛ لكن كم ننتظر له؟ الإمام أحمد رحمه الله يقول: إلى أن يخرج وقت الصلاة التي جيء به فيها، ويقول البعض: يوم وليلة، وقول ويقول آخرون: ثلاثة أيام لأنها أكثر الجمع، فإن أصر على عدم الصلاة فيقتل، وهل يقتل ردة أم حداً، الأئمة الثلاثة: أبو حنيفة ومالك والشافعي يقولون: حداً وأحمد يقول: ردة وكفراً.

وإذا تواطأ جماعة على تركها قوتلوا حتى يؤدوها، حتى قال بعض المالكية والأحناف: لو تركت قرية إعلان الأذان، قالوا: نصلي بلا أذان، قاتلهم الإمام على ذلك؛ لأن الأذان من شعائر الإسلام.