للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الفرق بين الخجل والحياء]

السؤال

ما الفرق بين الخجل والحياء؟

الجواب

أقول: يا إخوان! وخاصة طلبة العلم من أراد أن يعرف حقائق مفردات الأخلاق فليرجع إلى ابن مسكويه في كتابه: فلسفة الأخلاق.

الخجل والوجل متضادان؛ الوجل الخوف، والخجل الحياء من كل شيء، والأكثر ما يكون للنساء، ولذا الخجل للرجال ليس ممدوحاً، بخلاف الحياء، فإنه من الغرائز والأخلاق الفاضلة.

فالحياء يمكن أن يراعي فيه الإنسان الإقدام والإحجام، ولكن الخجل لا يتملك المرء فيه، والحياء قابل للمقياس العقلي، أما الخجل فلا يقبل ذلك، فالشخص الخجول -كما يقولون- هو أشد ضعفاً من الشخص الذي يقال فيه حيي؛ لأن الذي يستحي يأتي في أوقات وهو أشد ما يكون قوة وجرأة، بخلاف الذي يخجل، الخجل ضعف شخصي ولكنه في النساء كمال.

إذاً: هناك فرق بين الخجل والحياء فيكون دقيقاً جداً وهو: أن الخجول لا يملك من نفسه تصرفاً، ولكن الحياء صاحبه قد يستحي ويقف عند حيائه، وقد يتخطى حواجز هذا الحياء فيما هو واجب عليه، والله تعالى أعلم.

فالذي أشرنا إليه أن الحياء قسمان: قسم مذموم وقسم ممدوح، وأشرنا إلى أن المذموم هو الذي يمنعك من فعل واجب عليك.

فبعض الناس يخرج عن بلده ويأتي إلى بلد غير مسلم ويرى الساعة في يده، ويعلم أنه قد حان وقت الصلاة، وهو عنده زملاؤه في منتزه أو في بيت أو في مكان وعنده الآخرين يستحي أن يؤذن ويقيم ويصلي، لماذا؟ سمعنا بمن يفعل هذا، وأي شيء هذا! يقول: أستحي، يا سبحان الله! تستحي أن تؤدي حق الله؟ قد تكون صلاتك هذه أقوى فعالية مما لو وقفت محاضراً أسبوعاً كاملاً.

وكذلك يدخل المطاعم نحو ذلك، وتقدم له الأطعمة والأشربة ويستحي أن يمتنع مما حرم الله، يخشى أن يُقال: متخلف! رجعي! يا سبحان الله! إذا تمسك الإنسان بدينه يقال: متخلف ورجعي! نعم رجعي عن هذا التيار الفاسد.

ومن عجب أيها الإخوة! أن أولئك القوم إذا وجدوا مسلماً متمسكاً بدينه وامتنع عن تلك المحرمات تديناً كان أعظم ما يكون في نفوسهم.

وبالمناسبة كنا مرة في رحلة على طائرة فرنسية في إفريقيا مع الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه، وكان مدة الرحلة ثلاث ساعات، فأقلعت قبل الفجر بربع ساعة، والمدة ثلاث ساعات، معنى ذلك ستنزل بعد طلوع الشمس، وكنا متوضئين، فقلت للشيخ: ماذا نفعل؟ أنتم المالكية تقولون: لا تصح الصلاة إلا على شيء متصل بالأرض، أتترك الصلاة في الطائرة؛ لأنها غير متصلة بالأرض أو تصلي الآن على خلاف المالكية؟ قال: لا، أصلي وأنا على مذهب المالكية، قلت: كيف؟! قال: إن الطائرة متصلة بالأرض بواسطة الهواء؛ لأن الفراغ الذي بينها وبين الأرض مملوء بالهواء والهواء هو الذي يرفعها، فقلت: الحمد لله! هل نؤذن؟ قال: يكفي أن نقيم الصلاة، فقمنا نصلي عند الباب، ولما رأونا وهم فرنسيون عند باب الطائرة وهي كبيرة جاءوا حالاً بالفراش الذي يتغطى به الركاب وفرشوه لنا، وصلينا الصبح جماعة، ثم جاء وقت الإفطار فإذا بما قدموه شكل غريب، وليس فينا من يحسن الإنجليزية إلا بعض الكلمات، فسألنا أحدهم، فإذا هو لحم الخنزير فقلنا له: خذه، فقال: مسلم! فقلنا: نعم، فأصبح خجلاً من نفسه، وفي أقرب وقت جمع كل الأطعمة التي أمامنا كلها وذهب بها، وجاء بفطور جديد ليس فيه ميتة، فهل نستحي ونأكل لحم خنزير أمامهم؟ هل نستحي ونترك الصلاة؟ لقد كان أداء صلاتنا تلك، وامتناعنا عن ذاك الطعام خيراً عظيماً، يقول الشيخ رحمه الله: هذا الموقف مكننا من العمل بآية من كتاب الله بين السماء والأرض: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ} [المائدة:٣] فهل نقول: استحينا ونقول: مسلمين ونأكل؟ يعني: إذا وقع لبعض الأشخاص ظرف ما أمام زملاء أو أمام أصدقاء أو أمام غرباء، فإنه يأكل ويشرب ويستحي منهم، تستحي من الناس ولا تستحي من الله! سبحان الله العظيم! وهناك أشياء عديدة من هذا القبيل لا ينبغي للإنسان أن يقول: استحيت، لا والله ليس حياء ولكنه خور وضعف.

إذاً: الحياء منه المذموم ومنه الممدوح، الحياء الممدوح أنك تستحي أن تأكل وأنت تمشي في الطريق، ما الذي منعك؟ الحياء، ويذكر بعض العلماء أن شخصاً دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلب ماء يشرب، فستره النبي صلى الله عليه وسلم حتى يشرب، قالوا: (ما هذا يا رسول الله؟! قال: هؤلاء قوم يستحون) إلى هذا الحد، وكان يوجد جماعة في موريتانيا أو في أفريقيا لا يأكلون أمام الناس، ويقولون: الذي يأكل أمام الناس هذا (دهنيس) ، الذئب هو الذي يأكل أمام الناس، أما الآدمي الذي يأكل أمام الناس ويرونه فهذا ليس من المروءة، قد يكون هذا الأمر زائداً عن العادة، لكن العلماء رأوا بأن الشخص إذا كان لا يبالي بصغار الأمور قد يتدرج إلى كبارها، وإذا كان يستحي من صغارها ما يمكن أن يعمل الأشياء الكبار، الآن لو في جيبك تفاحة تقدر تخرجها وتأكلها أمام الناس! هل هو حرام، سواء كانت حارة أو مرة أو مالحة؟ لا، ما الذي يمنعك أن تأكلها أمامنا الآن؟ الحياء، فهذا هو الحياء الممدوح، ويكفي هذا القدر في بيان الحياء الممدوح والحياء المذموم، والله أعلم.