للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العلم علمان: غاية ووسيلة]

والعلم هنا هو علم كتاب الله وسنة رسوله، وما يساعد عليه، وأمور الدنيا خاضعة لذلك، أي: من سلك طريقاً لعلم الهندسة ليبني لنا بيوتاً تؤينا، أو سلك طريق علم الزراعة لينبت لنا طعاماً يقيتنا، أو سلك طريق الدفاع والسلاح لينتج سلاحاً يقينا العدو، أو أي مجال سلكه لله ولرسوله ولأمة المسلمين، كما قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [الأنفال:٦٠] ما دام يبتغي بذلك وجه الله.

ولكن العلماء ينبهون على أن المراد في هذا الذي عليه الحث هو علم الكتاب والسنة، وما يساعد على فهمه، والعلماء الحاضرون، أو علماء المناهج يقسمون المواد إلى قسمين: قسم أساسي، وقسم تكميلي، أو قسم غاية، وقسم وسيلة، فمثلاً تفسير القرآن ومعرفة معاني كتاب الله غاية، ولكن لا يمكن أن تفهم كتاب الله إلا بمعرفة اللغة العربية التي أنزل بها، فلابد أن تعرف الفاعل من المفعول، ولابد أن تعرف المسند من المسند إليه، ولابد أن تعرف المبتدأ من الخبر، ولابد أن تعرف الحال من الصفة، وتعرف كل ما يتعلق بعلم العربية، وتعرف من شواهد العرب في أشعارها وأقوالها ما يفسر لك كلمات القرآن التي بها أنزل هذا الكتاب وذاك الحديث، حتى علم المنطق المتأخر، وليس المتقدم الذي فيه الفلسفة، إذا كان للدفاع عن شبه العقيدة على من يُدخل على الناس الشبه فيها، وعلم الحساب من أجل أن تعرف الفرائض وتقسم التركات، فإذا لم تعرف الحساب والجمع والضرب والطرح والقسمة لا تستطيع أن تقسم الفرائض ولا تعرفها.

فكل علم كان وسيلة لغاية فهو شريف، فالوسيلة تأخذ حكم الغاية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

ومن هنا ينبه العلماء على ضرورة معرفة أصول الفقه لكل من يشتغل بالكتاب والسنة، وكان دائماً والدنا الشيخ الأمين رحمة الله تعالى علينا وعليه يقول: جهلة الأصول عوام العلماء.

فلا يستطيع أن يتفقه في حديث، ولا في آية، ولا أن يستنتج حكماً لواقعة حدثت ليس فيها نص إلا إذا كان عالماً في الأصول يرجع للقواعد، ويستطيع أن يدخل النازلة تحت قاعدة من القواعد العامة.

وقوله: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً) ، يدخل فيه أي طريق طويلاً أو قصيراً، وفي الحكمة التي على لسان الناس: اطلبوا العلم ولو في الصين.

وفي الحديث: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) ، أي فيما يتعلق بالأمور الشخصية، وحق الله على العباد.

ويهمنا التنويه على بعض المسائل لنعلم جميعاً أن طلب العلم -كما أشرنا- فريضة على كل مسلم فيما يتعلق بحق الله عليه، وفرض كفائي فيما عدا ذلك من عموم علم الكتاب والسنة، وما يتطلبه من مكملات أو من أسباب توصل إلى الغايات.

فمن الأسباب التي توصل إلى الغايات في علم كتاب الله علم العربية التي بها يفهم كتاب الله، وعلم الأصول -كما قالوا- فيما يتعلق بدلالة العموم والخصوص، والمطلق والمقيد، ومعرفة الناسخ والمنسوخ، وغير ذلك.

وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم كذلك ما يتعلق بطرق معرفة صحة الحديث ومصطلح الحديث عند العلماء، ومعنى (مصطلح) : أي: ما اصطلح عليه العلماء في أسماء الأحاديث باعتبار المتن أو السند، كتسميتهم الحديث مرفوعاً، أو موقوفاً، أو متصلاً، أو منقطعاً، أو معلاً، أو شاذاً، أو غير ذلك.

وكل ذلك حق وواجب على طلبة العلم.