كيف يؤدَّى هذا الركن العظيم، وكيف يحافَظ عليه ولا يضيَّع؟ يلفت النظرَ إلى ذلك قولُ عمر رضي الله تعالى عنه:(الوفد كثير، والحج قليل) ، فيحتاج الحج إلى حفاظ عليه، وقيام بواجباته، حتى يكون حجاً حقيقياً.
أول خطوة في الحج ليست التجرد ولبس الإزار والرداء وقولك:(لبيك) في الميقات، لا، فالحج يبدأ عند جمع المال للحج، يبدأ الحج مع كل إنسان من موطن كسبه لرزقه؛ فيبدأ مع العامل في عمله، والزارع في مزرعته، والصانع في مصنعه والموظف في مكتبه.
لماذا؟ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وضع لنا القاعدة الأساسية العامة فقال صلى الله عليه وسلم:(إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً) ، وقال:(من حج بمال حلال وزاد حلال وراحلته حلال، فوضع رجله في الغرز فقال: لبيك اللهم لبيك، قيل له: لبيك وسعديك، حجك مبرور، وذنبك مغفور.
وإن حج بمال حرام، وزاد حرام، وراحلته حرام، فقال: لبيك، قيل له: لا لبيك ولا سعديك، ارجع مأزوراً لا مأجوراً) .
ولو جئنا إلى البديهة العقلية والنظام الاجتماعي: فأنت وافد على الله في بيته، أتفد عليه بما حرم عليك؟ أتسرق وتقول: يا رب! أنا جئتك؟! لا يا أخي! رد المال لصاحبه، وابق في محلك وقل: لبيك، ولا تأت بمال حرام! وهذا يشبه لو أنك سرقت ثوب جارك، ثم دعاك لوليمة العرس عنده، فهل تلبس الثوب الذي سرقته منه لتحضر وليمته؟! وبم تفسر هذا الفعل يا أخي؟! نعم الله على الإنسان كثيرة، ويدعوك إلى بيته:{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً}[الحج:٢٧] ، فبأي صفة تأتي؟ يجب أن تأتي بما يناسب مجيئك، ومن جئت إليه.
ولهذا تأتي محظورات الإحرام لتهذب الإنسان، وتحوره في شخصيته، وتجعله خلاف الشخصية الأولى، قال صلى الله عليه وسلم:(العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) ، قالوا: وبر الحج بأن يرجع صاحبه وقد صار خيراً مما كان، أنت ذهبت والاستقامة عندك (٥٠ %) أو (٦٠ %) أفترجع وأنت (٩٠ %) ؛ لكن إذا ذهبت وأنت (٧٠ %) ثم ترجع وأنت (٥٠ %) ، فستكون هذه انتكاسة، كإنسان دخل المستشفى وهو مريض (٥٠ %) ، والمفروض ما دام أنه في مستشفى طيب، وعنده تجاوُب للعلاج، وعناية فإنه سيخرج متعافٍ بالكلية، أو حتى في النقاهة (٩٠ %) ، وكذلك الحج يعتبر مصحة نفسية بل وبدنية؛ فعلى الإنسان أن يراعي هذا العمل.