يأتي القسم الثاني من الحديث بتلك المقدمة أيضاً:(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) ، إكرام الضيف من مكارم الأخلاق والمروءة، والشخص كريم المعدن لا شك أنه يؤثر ضيفه على نفسه، وغير خافٍ علينا قصة أبي طلحة حينما جاء ضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأرسل إلى بيوت زوجاته أمهات المؤمنين رضوان الله تعالى عليهن أجمعين يسأل عن قرى للضيف، وكل واحدة تعتذر بأنه ليس عندها عشاء، الله أكبر! زوجات رسول الله وما عند واحدة منهن قرى للضيف!! لا إله إلا الله! فيقول صلى الله عليه وسلم:(من يستضيف ضيفي الليلة وله الجنة؟) ، فقام أبو طلحة وأخذ الضيف إلى بيته، وقال لزوجه: أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: ليس عندي ما أكرمه، إنما يوجد عشاء عيالي، وهي معذورة، فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول:(ابدأ بنفسك) ، فقال: علليهم حتى يناموا، وإذا ناموا فأحضري العشاء، فأجلس أنا والضيف للأكل، وقومي أنتِ واعمدي إلى السراج كأنك تصلحينه فأطفئيه، وأنا سأمد يدي مع الضيف ليشعر أني أشاركه الأكل، وسأرفع يدي خالية من الطعام، وأوفر الطعام للضيف، فتطيع المرأة الكريمة زوجها، وتعين الزوج الصالح على فعل الخير، ولم تضع العقبات، ولم تتوجع لأطفالها، إنما فعلت كل ما طلب منها، فأكل الضيف وشبع، وباتوا جائعين! فماذا كانت النتيجة؟ لا يخفى على الله شيء، فهو عالم بكل شيء، سميع بصير، فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم يستقبل الرجل ويبتدئه بقوله:(لقد ضحك ربنا من صنيعكما البارحة!) وهو صنيع ليس بالهين، وحيلة لكن لمرضاة الله.
ولو قلبنا صفحات الماضي لوجدنا اليهود يحتالون على استحلال ما حرم الله، حينما حرم عليهم الشحوم، جملوها وأذاوبها وباعوها، واشتروا بثمنها ما يأكلونه، فلما أنكر عليهم قالوا: نحن ما أكلنا الشحوم أبداً!! ولما منعوا من العمل يوم السبت، وامتحنوا بالحيتان {إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ}[الأعراف:١٦٣] احتالوا، فألقوا الشباك يوم الجمعة، وعلقت فيها الحيتان يوم السبت، وأخذوها يوم الأحد، وقالوا: ما عملنا شيئاً يوم السبت! حيلة يتوصلون بها إلى استحلال ما حرم الله.
وأما حيلة ذاك الصحابي فليتوصل بها إلى مرضاة الله، حقاً قال الله:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}[آل عمران:١١٠] ؛ لذلك قال صلى الله عليه وسلم:(لقد ضحك ربنا من صنيعكما البارحة) ، وفي حديث آخر أن رجلاً قال:(أويضحك ربنا يا رسول الله؟! قال: نعم قال: ما عدمنا خيراً من رب يضحك) .
وأحذرك ثم أحذرك! أن تفتح المجال لمخيلتك وذهنك وتفكر كيف يضحك، لا تفكر في ذات الله، ولا يتوجه السؤال إلى الله بالكيفية أبداً، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}[الشورى:١١] ، إنما نثبت لله ما أثبته لنفسه، وهو أعلم بذلك، ونثبت لله ما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا أحد أعلم بالله من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأسماء والصفات توقيفية، قال الإمام الشافعي رحمه الله: نؤمن بالله، وبما جاء عن الله، على مراد الله، ونؤمن برسول الله، وبما جاء عن رسول الله، على مراد رسول الله، والإمام ابن تيمية رحمه الله الذي ولد في القرن السابع يقول: نحن أمرنا بإيمان إثبات، لا بإيمان تكييف، وكما قال الإمام مالك لما سأله رجل عن الاستواء: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وأراك مبتدعاً أخرجوه عنا.