للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[هل الأمر في قوله عليه الصلاة والسلام: (أمرت) خاص به أم أن الولاة داخلون فيه؟]

أولاً: في قوله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس) ، في هذه الجزئية يتكلم بعض الناس بأن هذا الأمر خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، وليس لمن جاء بعده أن يقاتل الناس، وأجيب عن هذا الادعاء بأنه باطل؛ لأن الله سبحانه قد يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم ويكون المقصود في هذا الخطاب أحد ثلاثة أمور: فإما أن يكون الخطاب موجهاً للنبي عليه الصلاة والسلام ولا يراد به إلا شخصه فقط.

وإما أن يراد به النبي عليه الصلاة والسلام والأمة داخلة معه في ذلك الخطاب.

وإما أن يخاطب النبي عليه الصلاة والسلام ويراد به أمته وحدها والنبي غير داخل في ذلك الخطاب.

فمن خطاب الله لرسوله صلى الله عليه وسلم الذي اختص به لا يشاركه فيه أحد: ما جاء في أمر الواهبة نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب:٥٠] ، فليس لأحد من الأمة أن يطأ امرأة بمجرد أن تهب نفسها له؛ لأن هذا خاص برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن رسول الله عليه الصلاة والسلام هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وهو ولي من لا ولي له.

والخطاب الذي خوطب به النبي عليه الصلاة والسلام والمقصود به أمته وهو غير داخل فيه ما جاء في حق الأبوين: {وَقَضَى رَبُّكَ} [الإسراء:٢٣] ولم يقل: (ربكم) قال: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء:٢٣] ، العبادة عامة للجميع {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء:٢٣] ، بعد عبادة الله قال: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ} [الإسراء:٢٣] لم يقل: (عندكم) {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء:٢٣] لم يقل: (فلا تقولوا لهما أف) {وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [الإسراء:٢٣] {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [الإسراء:٢٣] ، وهناك الآية الأخرى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان:١٥] ، أين كان أبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند نزول الآية؟ هل يمكن لرسول الله أن يصاحب أبويه في الدنيا معروفاً؟ لقد مات أبوه وهو حمل في بطن أمه، وماتت أمه وهو ابن سبع سنوات، فأين يصاحبهما في الدنيا معروفاً؟! فلا يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت هذا الخطاب أبداً، ولكن خوطبت الأمة في شخصية رسول الله عليه الصلاة والسلام تعظيماً لهذا الحق؛ لأن الأبوين هما صاحبا الحق الثاني على الإنسان بعد الله، فخوطب رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الحق والمراد به الأمة.

ويأتي الخطاب الخاص به أو الموجه إليه والمراد به الأمة بكاملها كما في قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} [هود:١١٤] ، قوله: (أَقِمِ الصَّلاةَ) هل هذا خاص به، أو عام للأمة؟ عام للأمة، ولهذا جاء في سورة التحريم: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التحريم:١] ، خطاب خاص لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع أزواجه، ثم يأتي: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم:٢] ، قال: لكم ولم يقل: لك، فهنا الخطاب موجه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بيّن بأن الأمة كلها داخلة معه صلى الله عليه وسلم.

إذاً: (أمرت أن أقاتل الناس) وكل من يأتي بعده ويلي أمر المسلمين يقوم بهذا الأمر ويكون الأمر موجه إليه.

نظير هذا الخطاب قوله سبحانه: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة:١٠٣] ، فهم بعض الناس الجهال الذين كانوا، حدثاء عهد بالإسلام بأن الزكاة إنما تدفع لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقط؛ لأن الله قال: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [التوبة:١٠٣] ولم يقل: (خذوا) وقال: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة:١٠٣] ، وسيأتي زيادة تنبيه على هذه الجزئية عند قوله: (وآتوا الزكاة) .