للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عدم معارضة علم الله بما في الأرحام مع ما وقع من تطور في علم الطب]

السؤال

الله سبحانه وتعالى بيّن أنه يعلم ما في الأرحام وعلمها من الغيب، وإن بعض الهيئات الطبية الآن تطلع على ما في الأرحام، ويحددون ما إذا كان ذكراً أو أنثى كيف يكون الجمع بين ذلك؟

الجواب

أولاً: قضية الذكر والأنثى هذه ناحية أخرى يرجع أمرها إلى الرجل ولا دخل للمرأة في ذلك: {خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى * مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى} [النجم:٤٥-٤٦] وطريقة معرفتهم لما في الرحم هي: إما أن يأخذوا سائلاً من الماء الموجود في الرحم، وبعد أن يأخذوه يدخلوه إلى المعمل وينظرون إلى نوعية الهرمونات على اصطلاحهم، وهي كائنات خلايا البشر من ذكورة أو أنوثة، وهي تختلف، وقد بين الإسلام اختلافها في مواطن سوى ذلك، فبعد أن يعلموا نوعية الهرمونات التي تسبح في سائل الجنين، فعندها يمكنهم تمييز الجنين فإن كانت الهرمونات من إفراز ذكورة يكون ذكراً، وإن كانت من إفراز أنوثة يكون أنثى، وهم بهذا ما عرفوا ما بداخل الرحم إلا بعد أن أخرجوا السائل إلى الخارج ونظروا ماذا فيه، وهذا الأمر بسيط، فلو شققنا بطن المرأة وعملنا عملية جراحية فسنعرف الجنين أهو ذكر أم أنثى؟ فبدلاً من أن نشق البطن ندخل إبرة صغيرة ونأخذ من الماء ونحلله، إذاً دون هذه الطريقة لا يستطيعوا معرفة هذا الجنين، لكن السؤال: هل لهم أن يخبرونا بدون إخراج الماء السائل من رحم الأم، لو جاءوا بأشعة (إكس) أو جاءوا بأشعة (ليزر) أو جاءوا بأشعة كذا وكذا وقالوا: علمنا جنس الجنين، نقول: لقد دخلتم على الجنين واقتحمتم عليه بيئته ولم تعلموا جنسه وأنتم في الخارج، لكن دعوه في مكانه وأخبرونا بنوعه دون الدخول عليه! لا يستطيعون ذلك.

إذاً: لا يتنافى ذلك كله مع أن المولى سبحانه وحده هو الذي يعلم ما في الأرحام.

الموضوع الثاني: حبوب منع الحمل، هذه من مشاكل العصر، وقد زحفت علينا من أعدائنا، والبوابة الكبيرة التي أدخلتها علينا إسرائيل؛ لأنها من قبل سنوات كانت تشيع وتدعو وتجتهد في تصدير وتشجيع استعمال هذه الحبوب، وكانت هناك دعوى سابقة من ماركس اليهودي الأصل، الذي ادعى بأن العالم مقبل على هلاك من المجاعة لتزايد السكان تزايداً هندسياً، وتزايد مواد الغذاء تزايداً حسابياً، والتزايد الحسابي: واحد، اثنين، ثلاثة، أربعة، خمسة، والتزايد الهندسي: واحد، اثنين، أربعة، ثمانية، ستة عشر، اثنين وثلاثين، أربعة وستين ومضاعفاتها، وكان يقول: بعد خمسة وعشرين سنة يتضاعف عدد السكان كذا مرة، والغذاء لا يواكب هذه الزيادة، فتكون النتيجة الهلاك، لكن ولله الحمد مضت على دعوته عشرات السنين ومئات السنين والعالم بخير، ومعدل الإنتاج يرتفع، والآن بعض الدول تتلف منتجاتها لتحافظ على الأسعار في الأسواق.

ومن الناحية الطبية فإن المبيض متصل بالرحم، وإذا كان الرحم خالياً فإن المبيض ينتج بويضة ويرسلها إلى الرحم، فإذا علق في الرحم بويضة مع حيوان منوي أفرز الرحم مادة تخبر المبيض: أن أوقف الإنتاج فلا محل عندي، فحبوب منع الحمل تعمل على إنزال هذا الهرمون الذي يفرزه الرحم لينذر المبيض بعدم الإنتاج، فتأخذ المرأة الحبوب ويقوم الرحم بإنذار مضلل مزيف: لا ترسل بويضات، فتبقى المرأة بدون إنتاج ولا يحصل هناك حمل، وهذه تسمى الطريقة الدوائية لمنع الحمل، وهناك طريقة أخرى غير دوائية لمنع الحمل تستعمل فيها العوازل لمنع الماء المنوي من أن يصل إلى البويضة فلا يقع تلقيح.

وهذه الطريقة يحذر منها العلماء؛ لأنها تعود بالمضرة على المرأة في أعصابها، وفي دورتها الشهرية، بل وفي الخلقة بعد ذلك، وعلى هذا فتعاطي حبوب منع الحمل معارض لما جاء في قوله تعالى: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء:٣] ، لقوله صلى الله عليه وسلم: (تناكحوا تناسلوا تكاثروا، فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة) وقوله: (سوداء ولود خير من بيضاء عقيم لم تلد) ، والرسول صلى الله عليه وسلم -لما سألوه عن العزل- قال: (أوإنكم تفعلون؟) وفي بعض الروايات: (إنها الموءودة الصغرى) ، وجاء إليه رجل وقال: (إن لي جارية وهي ثانيتنا، وأريد منها ما يريد الرجل من المرأة أفأعزل عنها؟ فقال صلى الله عليه وسلم: إذا أراد الله خلق الولد فأرقت الماء على حجر جاء الولد) وقد جاء مصداق ذلك -أي: أن الرجل إذا أفرغ ماءه على ثوب أو على فراش وجاءت المرأة ونامت في هذا الفراش أو لبست هذا الثياب، أو كان ألقاه على حجر وتمسحت به المرأة والماء رطب، فإن الحيوان المنوي له قدرة على البقاء إلى ست ساعات، ويستطيع أن يسري في الرطوبة حتى يصل إلى الرحم، وتحمل المرأة بدون وطء، وجاء عن عمر رضي الله تعالى عنه أن رجلاً في زمنه كان قد خطب فتاة وأراد سفراً فذهب يوادع أرحامه، فما وجد أحداً في البيت ووجد خطيبته -وكان قد عقد عليها- فأرادها وحاول معها فعجز عنها، فضخ الماء بين فخذيها، ثم ذهب الرجل ومضت الأيام وظهر الحمل على الفتاة، فأُخبر بذلك عمر، فسألها، فأخبرته بالواقع، قال: إذا عاد من سفره أول من يكلمه عمر، فلما جاء وسأله عن يوم سفره أخبره كما أخبرت الفتاة، فقال عمر: إذا أرخيت الستور وحصلت الخلوة وجب كامل الصداق، ووجبت العدة، وألحق الولد بالزوج، وكان قبل ذلك يقول: من خلا بامرأة ولم يطأها وطلقها فلها نصف الصداق فقط ولا عدة عليها، لكن بعد هذه الحادثة -وقد حدث الحمل دون وطء- ظهر لـ عمر وجوب كامل الصداق والعدة، ولهذا يقول الحنابلة: أيما امرأة تحملت ماء زوجها بدون وطء منه وحملت ألحق به الولد، وعليها إذا طلقها العدة، وله الميراث، وكل أحكام الزوجية والأولاد تسري على هذا الحمل من هذا الماء، وكلنا يعلم أن التلقيح الصناعي إنما هو أخذ ماء فحل ووضعه في أنثى من جنسه، سواء كان في البقر والخيل أو كان كذلك في بني آدم، وقد عرف التلقيح الصناعي من قديم في زمن الفراعنة، ووجد على أوراق البردي بيان كيفية هذا التلقيح.

إذاً: قضية منع الحمل تعارض الكتاب والسنة، ولا ينبغي لمسلم أن يفعل ذلك، وقد يدعي بعض الناس قلة النفقة والعجز عن التربية، والله يرد على هذا الادعاء فيقول: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وإياهم} [الأنعام:١٥١] {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وإياكم} [الإسراء:٣١] وبالله تعالى التوفيق، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم.