ومن الميزان إلى الحوض، وبعض العلماء يقول: إنه بعد الصراط والميزان، والقرطبي يرجح أن الحوض قبل هذا كله، لحديث:(أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في هذا المسجد فأغفى إغفاءة ثم انتبه يتبسم، فقالوا: ما الذي أضحكك يا رسول الله؟ قال: أنزلت عليّ آنفاً سورة خيرٌ من الدنيا وما فيها: بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ}[الكوثر:١-٣] ، أتدرون ما الكوثر؟ نهرٌ في الجنة آنيته عدد النجوم) ، وفي حديث ذكر حوضه صلى الله عليه وسلم.
وقالوا في الجمع بين الرواتين: إن الكوثر نهرٌ من أنهار الجنة فيه ميزابان يصبان في حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قدره كما بين مكة وبصرى، عليه أكوابٌ عدد نجوم السماء، تربته المسك واللؤلؤ.
وهنا جاء الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:(إني أمتي يأتون يوم القيامة غراً محجلين من أثر الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض، قالوا: يا رسول الله! كيف تعرف من يأتي بعدك ولم ترهم؟ قال: أرأيتم لو أن لأحدكم خيلاً بهماً دهماً، أكان يعرفها من بين الخيول؟ قالوا:بلى) ، والغرة: بياض الجبين، والتحجيل: والحجل هو موضع القيد للفرس، أي: في اليدين، فإذا كان الموضع فيه بياض فهو حجل، وهذه علامة خاصة بهذه الأمة.
وفي تتمة الحديث:(إن هذا العرض على الحوض هي المفازة الأولى) ، فحينما يبعث المنافقون مع المؤمنين والكل معه نوره، {يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ}[الحديد:١٢] ، فهنا المؤمنون يمضون في طريقهم بأنوارهم، فإذا ما وردوا على الحوض جاءت ملائكة تفرز الناس، فيذودون أقواماً عن حوض رسول الله لا يردونه، فينادي صلى الله عليه وسلم قائلاً:(أمتي أمتي! فتقول الملائكة: إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك، إنهم غيروا وبدلوا، يقول صلى الله عليه وسلم: فأقول: سحقاً وبعداً لمن غير وبدل) .