أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنة الخلفاء الراشدين، وقد قدمنا مراراً أن سنة الخلفاء الراشدين تبين سنة النبي صلى الله عليه وسلم، بل إن أقوال وأفعال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تبين لنا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا يقول الأصوليون: من الأصول التي يشرع عليها الأحكام: الكتاب والسنة والإجماع والقياس، وهذا متفق عليه، وذكروا من غير المتفق عليه: قول الصحابي إذا لم يوجد له مخالف من الصحابة، فقول الصحابي وفعله إذا لم يخالفه نص أو يخالفه صحابي آخر فهو حجة يعمل به، ويكون دليلاً للتشريع، ودليلاً على جواز الفعل الذي فعله الصحابي رضي الله تعالى عنه، وقد قال صلى الله عليه وسلم:(خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) فذكر ثلاثة قرون، وهي القرون المشهود لها بالخيرية، فما كان في تلك القرون من أمر الدين والدنيا فهو جائز إلى يوم القيامة، ولكن النظر فيما حدث من الأمور الدنيوية التي لم تكن من قبل، هل نتقبلها أم لا؟ ننظر إن كانت محضاً من أمر الدنيا فلا بأس، وإن كانت لها علاقة بالدين لها علاقة بالعمل لها علاقة بالتعبد فيها شبهة من التشبه بغير المسلمين فنتركها؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن التشبه بأهل الكتاب فيما يختصون به، ولو كان في أمور الدنيا، يقول الفقهاء: لو شربت الحليب الصافي والماء النقي، في كئوس وأوان على شكل كئوس وأواني الفساق الذين يشربون فيها الخمر متشبهاً بهم فهذا حرام، أي: الصفة التي تشبهت بها، وهكذا لبس الزنار، ولبس القبعة التي هي خاصة بالمشركين، فلا ينبغي ذلك.
إذاً: الحلال بذاته لو جاء في صورة التشبه العمد بغير المسلمين فهو حرام.
وقوله: رد، بمعنى مردود، مثلما تقول: سد بمعنى مسدود.
وكلمة:(رد) راجعة على ما أحدث، (من أحدث في أمرنا) و (من) مثل (ما) كلاهما من صيغ العموم، (فهو رد) فيه ضمير مستتر، يعود على ما، في قوله:(من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) أي: هذا المحدَث مردود على صاحبه، وإذا قلنا: يعود على (من) أي: مردود قوله عليه، ولا يدل على الردة عن الإسلام قطعاً، لكن قد تأتي الردة من شيء آخر، إذا جاء مثلاً بشيء وقال: هذا فرض، أو جاء إلى ما أوجب الله وقال: هذا ليس بواجب، فهذا جاء بحدث، ولكن عارض به ما هو معلوم من الدين بالضرورة، فهي ردة عن الإسلام عياذاً بالله، ومن الردة بعض القوانين في بعض البلاد التي تغير في المواريث، وتغير ما أنزل الله، وهذا هو عين الردة عن كتاب الله.