[حرص الصحابي على طلب النصيحة من النبي عليه الصلاة والسلام]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيد الأولين والآخرين، سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
[عن أبي عمرو وقيل: أبي عمرة سفيان بن عبد الله رضي الله عنه قال: (قلت: يا رسول الله! قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك، قال: قل: آمنت بالله، ثم استقم) رواه مسلم] .
إن هذا الحديث المبارك الذي فيه الجواب عن هذا السؤال الحكيم يعتبره العلماء جامعاً شاملاً لمهام الإسلام، وإنه لتظهر فيه حكمة وحصافة ولب السائل رضوان الله تعالى عليه، وهو أبو عمرة سفيان الثقفي، وهو من ثقيف من سكان الطائف، يسأل هذا السؤال ليتعلم، ويقول الإمام أبو حنيفة رحمه الله: السؤال نصف العلم، أو هو العلم، ويقال: تعلم كيف تسأل كما تتعلم كيف تستمع، والسؤال ينبئ عن عقل صاحبه.
فهذا الصحابي الجليل أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا رسول الله!) يستحضر في نفسه أن المسئول أمامه هو رسول من عند الله لا ينطق عن الهوى، ويستحضر في نفسه أن المسئول أمامه قد أوتي جوامع الكلم، ويستحضر في نفسه أن المسئول أمامه مبلغ رسالة الله لخلق الله، فهو النبراس، وهو القدوة، وهو السراج المنير الذي يضيء للخلق سبيلهم، يستحضر كل تلك المعاني حينما قال: (يا رسول الله! قل لي) ، وهذا السؤال له ولغيره ممن يبلغه.
قال: (قل لي في الإسلام) لا في الدنيا ومتاعها وزخرفها، ولا في السلطة وعزتها، ولا في منصب وجاهه، لا، بل في الإسلام، كان الإسلام ممتزجاً بدمائهم، وأصبح يسري في عروقهم، وأصبح هو ديدنهم ومقصدهم، وهذا مما ينبئ عن قوة إخلاصه، وحسن مقصده، وشدة تيقظه لما يسأل عنه، فالإسلام به عزة الخلق، وفيه سعادة الدنيا والآخرة.
والسائل يعلم يقيناً أن الرسول جاء برسالة الإسلام، وقد نفض الدنيا عن يديه، وقال: (أنتم أعلم بدنياكم مني) ، فليسوا في حاجة إلى توجيه فيها، أمر الدنيا يستوي فيه المسلم والكافر، وقد يكون الكافر أشد حذقاً في أمور الدنيا من المسلم، وقد توصل الكافر في أمور دنياه إلى مخترعات، وإلى مستحدثات، وإلى مستجدات لم يصل إليها المسلم حتى اليوم، والدنيا مبناها على التجارب، فطالما يوجد فكر وتجربة توجد نتائج تقدمية، ولكن السائل يهتم بالإسلام، والسؤال عن الإسلام، ولا يمكن أن يجاب عليه إلا من طريق الوحي، ولذا قال: (يا رسول الله! قل لي في الإسلام) ، والإسلام إذا انفرد يشمل الإيمان، فمراده: الرسالة التي حملتها وبلغتنا إياها.
قوله: (قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك) ومن بعد رسول الله يسأل؟ ومن بعد رسول الله يستطيع أن يجيب؟ ومن بعد رسول الله يملك أن يزيد على جواب رسول الله؟ لا أحد.
قال: (قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك أحداً غيرك) ، علم أنه لا يوجد غير رسول الله أعلم بدين الله، فهو يطلب الإيضاح، ويطلب التفصيل، ويطلب البيان، بلا إشكال ولا لبس ولا غموض ولا خفاء، ومن بعد رسول الله أوتي جوامع الكلم؟ فهو أفصح العرب صلى الله عليه وسلم.
عرف السائل كيف يكيف سؤاله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونجد الرسول صلى الله عليه وسلم قدر للرجل سؤاله، وعرف حقيقة حاله، وأجابه الجواب الذي لا يوجد مثله أبداً، ولو اجتمع الخلائق كلهم ما استطاعوا أن يضيفوا إلى هذا الجواب حرفاً واحداً، وكان الجواب على مقتضى سؤال السائل من الإيضاح والشمول والبيان والمعرفة والتوجيه، فقال: (قل: آمنت بالله، ثم استقم) ، كلمتان: (آمنت بالله) وحرف العطف (واستقم) ، وفي بعض الروايات: (قل: الله ربي، ثم استقم) ، ذكر بعض العلماء زيادة: أنه سأل أيضاً: (ما أشد ما تخافه عليّ يا رسول الله؟! فأخرج صلى الله عليه وسلم لسان نفسه وأمسكه بيده وقال: أمسك عليك هذا) .