للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مشروعية الجهاد والدعوة]

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: فيقول المؤلف رحمه الله تعالى ونفعنا بعلومه في الدارين آمين: [عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله تعالى) رواه البخاري ومسلم] .

هذا الحديث الذي اختاره الإمام النووي رحمه الله ضمن هذه الأربعين الحديث المختارة، يبين فيه صلى الله عليه وسلم حقيقة القتال في سبيل الله مع بيان حرمة المسلم وبما يعصم الإنسان دمه وماله.

فعن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك فقد عصموا مني دماءهم وأنفسهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله) .

في هذا الحديث يبين النبي صلى الله عليه وسلم أنه أُمر، ومن الآمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ليس أحد من الخلق له حق توجيه الأمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما الآمر لرسول الله هو رب العالمين، وهناك في علم الحديث حينما يقول الصحابي: أُمرنا بكذا، قالوا: إن له حكم الرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا يتأتى أن يأمر صحابي صاحبياً آخر لمساواتهم في الصحبة، فيكون الآمر للصحابي هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهنا إذا قال صلى الله عليه وسلم بنفسه: (أمرت) فلا يكون الآمر لرسول الله إلا رب العالمين.

فبماذا أمر صلى الله عليه وسلم؟ قال: (أمرت أن أقاتل الناس) ، وإذا كان الأمر موجهاً من الله إلى رسوله صلى الله عليه وسلم كان مقتضى ذلك الوجوب، وليس عندنا في هذا المقام صارف يصرفه عن ذلك الحكم.

وبأي شيء أقاتل؟ المقاتلة: مفاعلة، وتكون دائماً بين طرفين، والمقاتلة هنا: أسندها صلى الله عليه وسلم لنفسه (أن أقاتل) ، وهل يقاتل وحده صلى الله عليه وسلم، أم أن أصحابه أمروا بقتال من أُمر صلى الله عليه وسلم بقتاله؟ هذا الأمر للنبي عليه الصلاة والسلام، وأمته داخلون معه فيه.

وقد بيّن الله سبحانه وتعالى في الجملة موقف أصحابه رضي الله تعالى عنهم: فمن جانب المهاجرين يقول الله سبحانه وتعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحشر:٨] .

ثم بيّن موقف الأنصار: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ} [الحشر:٩-١٠] ، فهذا هو سبيل المؤمنين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.