[سعة فضل الله على عباده]
قال صلى الله عليه وسلم: (إن في كل تسبيحة صدقة، وتحميدة صدقة، وتكبيرة صدقة، وتهليلة صدقة، وأمر بمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة) .
هذا الجزء من الحديث يدلنا على سعة فضل الله على عباده تحمد الله وكأنك تصدقت، تصدقت على من؟ على نفسك؛ لأنك في حاجة إلى الصدقة.
بل يقول ابن رجب في شرح هذا الحديث: إن الله سبحانه يتصدق على عباده، يتصدق عليهم بماذا؟ بكل نعمة أنعمها عليهم، وأعظم نعمه تصدق بها على خلقه: أن هداهم إلى الإسلام، ثم وفقهم لعمل الخير، ثم قبل ذلك منهم، ثم آجرهم على ذلك، أليس ذلك كله من فضل الله؟ بلى.
التسبيحة صدقة على نفسك، والتحميدة صدقة على نفسك، والتهليلة صدقة على نفسك، وقد جاء مبيناً ذلك في الحديث: (في كل يوم تطلع فيه الشمس على كل سلامى من الناس صدقة) والسلامى: هو المفصل الصغير في الجسم، وكم في الجسم من السلاميات؟ إن كل جزء يتحرك في الجسم سلامى، فعندك عشرة أصابع في اليدين، وفي كل أصبع ثلاثة.
فهذه ثلاثون، وفي القدم مثلها ثلاثون فتكون ستين، ثم في القدم وكف اليد والساعد وفقار الظهر وضلوع الإنسان وكل جزء يتحرك في الإنسان، قال بعض العلماء: ثلاثمائة وستون عضواً في جسم الإنسان يتحرك.
قال صلى الله عليه وسلم: (على كل سلامى من الناس كل يوم صدقة) ، وهذه الصدقة لماذا؟ هذا الهيكل الإنساني جهاز يعمل ويتحرك ويستهلك وقوداً في الحركة، مثلاً: عندك سيارة تعمل كل يوم، فتحتاج إلى تغيير الزيت والبترول والعجلات تحتاج وتحتاج لأن كل أجزائها تستهلك في الحركة.
الأسنان تطحن كيلو ونصف -ومع التوابع اثنين كيلو- في اليوم، كم في السنة؟ اثنان كيلو في ثلاثمائة بستمائة كيلو تطحنها الأضراس في السنة! وكم سنة تعيش! ففي عشر سنوات ستة آلاف كيلو، سبحان الله العظيم! كل هذا وهي على ما هي عليه! الرحا الذي يطحن الحب يتآكل ويتغير كل ستة أشهر، وهو من الحجر الأصم.
ويقولون في علم الكثافة: جرام من العظم يحمل عشرة أضعاف جرام من الحديد، قدرة الله وآية من آياته.
هذا الجسم الذي يعمل بهذه الحالة، لو نظرت داخله وفي أعماله لرأيت أموراً تعجز عن تصورها، يقول بعض علماء الكيمياء: لو أردنا إيجاد مصنع يفرز لنا مادة مما تفرزه الكبد بمقدار ما تنتجه خلية واحدة لاحتجنا إلى مصنع يسع في الأرض كيلو طولاً وكيلو عرضاً؛ من أجل إيجاد آلات نستطيع أن نوجد من ورائها إفراز خلية واحدة من خلايا الكبد! وأنتم ترون في المستشفيات -عافانا الله وإياكم- جهاز الكلية الصناعية، كم حجمه؟! وأنت تحمل اثنتين في جنبك، ونصف الكلى يعمل للإنسان والنصف يستريح، كلى تعمل في شهر وتستريح الأخرى في شهر، آيات! وهذا الجهاز الذي يعمل وأنت لا تدري عن عمله يحتاج إلى صيانة، وأنت لا توجد عندك ورشة صيانة لك، ولكن المولى سبحانه قد دبر صيانته، تتحرك آلاف المرات دونما تزييت أو تشحيم، وهكذا كل المفاصل تتحرك، وإذا رأيت الشاة المذبوحة تجد ماء أبيض لزجاً ينزل من المفصل، هذا الماء به ليونة الحركة، والله هو الذي يدبر هذا، وعليك صدقة تقدمها لله شكراً على سلامة هذا الجسم.
قالوا: (يا رسول الله! ومن منا يستطيع أن يتصدق كل يوم بعدد السلامى؟!) ، كيف نستطيع أن نتصدق كل يوم ثلاثمائة وستين صدقة؟! قال: (بكل تحميدة صدقة، وكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة) ، أحالهم على ذكر الله وتسبيحه وتحميده، ثم قال: (ويجزئ عن ذلك ركعتي الضحى) تصلي ركعتين ضحى فكأنك قمت بصيانة مجملة، سعة فضل من الله، وبكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة واستغفار وذكر لله وصلاة على رسول الله وكل أعمال البر صدقة، والصدقة بعشر أمثالها: (من صلى علي مرة صلى الله عليه بها عشراً) اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وسلم.