[الجائزة الإلهية للمجتمعين للذكر في المساجد]
ويختم صلى الله عليه وسلم هذا الحديث بتلك العبارة الخاتمة: (إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة) ، فكل ذلك للذاكرين الله سبحانه.
والسكينة تجد كثيراً من الناس يتكلمون في معناها.
وجاء في بعض روايات الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم شخص ببصره إلى السماء، فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: (إن هؤلاء القوم كانوا يذكرون الله تعالى.
فنزلت عليهم السكينة يحملها الملائكة كالقبة، ولما دنت منهم تكلم رجل منهم بباطل فرفعت عنهم) .
فالسكينة أمر معنوي، فتأتيهم الملائكة كالقبة لتغطيهم، ومعنى (وغشيتهم الرحمة) أي: غطتهم.
ويمكن أن يقال: إن السكينة من السكون والطمأنينة، والقرآن الكريم يقول: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:٢٨] ، فالسكينة التي ينزلها الله على الذاكرين هي ما يشعرون به من طمأنينة القلب، وارتياح النفس، وسعادة لا يعادلها شيء، فلو جئت إلى إنسان يملك الدنيا وهو قلق النفس مضطرب، فما قيمة هذه الدنيا عنده؟ ولو جئت إلى إنسان عنده قوت يومه وليله، وهو معافى في بدنه وقرير العين مطمئن القلب، فماذا ينقصه؟ لا شيء.
فهذه هي السكينة.
ومن هذا المعنى ننطلق إلى الروضة الوارد ذكرها في قوله صلى الله عليه وسلم: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة) ، وكل المعاني التي يوردها العلماء عليها وارد، وعليها اعتراض، ولكن لو قلنا: إن قوله: (روضة من رياض الجنة) معناه: أن من لوازم تلك الروضة أن يكون المتعبد فيها يشعر بالطمأنينة والسكينة إلى حد لا يشعر به خارج المسجد، كبيته والسوق فلا مانع من ذلك.
قوله: (وغشيتهم الرحمة) .
الغشاء: هو الغطاء، كأن الرحمة رداء ينتشر عليهم.
قال: (وحفتهم الملائكة) ، فالملائكة تحفهم بأجنحتها إما رأفة بهم، وإما إعجاباً بهم، وإما تطييباً لخواطرهم.
كما قال تعالى في ليلة القدر: {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} [القدر:٤] ، قالوا: من علامات القبول في تلك الليلة، أو من علاماتها أن يشعر الإنسان بروحانية في تلك الليلة.
قال: إذاً: (وذكرهم الله فيمن عنده) ، وفي الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم) ، ويقولون: هذه الخصائص والفضائل لمن يذكرون الله سبحانه، سواءٌ أكانوا جماعة أم كان الذكر فرداً.
وفي الخاتمة قال: (ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه) .
فالمطلوب هو العمل بما جاء في الحديث من الفرص وأعمال الخير، من تنفيس الكرب عن المكروبين، ومن تيسير العسر على المعسرين، ومن ستر العورات، ومن ذكر الله سبحانه، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه، ولذا جاء في الآية: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات:١٣] ، وجاء عنه صلى الله عليه وسلم: (إن أوليائي إلا المتقون) ، ووقف صلى الله عليه وسلم خطيباً فقال: (يا معشر قريش! اشتروا أنفسكم من الله، لا أغني عنكم من الله شيئاً، يا بني عبد المطلب! لا أغني عنكم من الله شيئاً، يا عباس بن عبد المطلب! لا أغني عنك من الله شيئاً، يا صفية عمة رسول الله! لا أغني عنك من الله شيئا، يا فاطمة بنت رسول الله! سليني من مالي ما شئت، لا أغني عنك من الله شيئاً) .
فالنسب فيما يتعلق بالدنيا ليعرف الإنسان نفسه والآخرين ليتعامل معهم، أما في الآخرة فلا.