للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سوق الهدي منه، وهو ميقات أهل المدينة ومن مر بها من غير أهلها، ليبين أَن ذلك سنة مؤكدة ينبغي لكل أحد فعلها ممن قدر على سوقه عند إحرامه وميقاته.

وقوله: "وَبَدَأَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأهَل بِالعُمْرَةِ الَى الحَج؛ فهو بيان وتفسير لقوله: تمتع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، على ما شرحناه.

وقوله: "وَكَانَ مِنَ الناسِ مَن أَهدَى فَسَاقَ الهَديَ مِن ذِي الحُلَيْفَةِ، وَمنْهُم مَن لمَ يُهدِ": هو بيانٌ لسوق الهدي، وأنه ليس بحتم، بل هو سنة، من شاء فعله، ومن لم يفعله لم يأثم.

ثم قوله: فَلَما قَدِم النبي - صلى الله عليه وسلم - قالَ للناسِ: "مَنْ كَانَ مِنكُم أَهْدَى، فَإنهُ لَا يَحِل مِن شَيءٍ حَرُم مِنهُ حَتى يقْضِيَ حَجهُ" إلى آخره، في هذه الجملة دليل على أن فسخ الحج إلى العمرة لمن لم يسق الهدي جائز، لبيان مخالفة الجاهلية في منعهم العمرة في أشهر الحج.

واختلف العلماء في ذلك، هل كان خاصًّا للصحابة -رضي الله عنهم- تلك السنة خاصةً، أم هو باق لهم ولغيرهم إلى يوم القيامة؟

فقال أحمد وطائفة من أهل الظاهر: ليس خاصًّا، بل هو باق إلى يوم القيامة، فيجوز لكل من أحرم بحجٍّ، وليس معه هدي، أن يقلب إحرامه عمرة، ويتحلل بأعمالها، وقال مالك، والشافعي، وأبو حنيفة، وجماهير العلماء من السلف والخلف: هو مختصٌّ بهم في تلك السنة؛ لمخالفة الجاهلية في تحريم العمرة في أشهر الحج، ودليلُهم في ذلك ما رواه مسلم في "صحيحه" من حديث أبي ذر - رضي الله عنه - قال: كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - خاصة (١)؛ يعني: فسخ الحج إلى العمرة، وما رواه النسائي في "سننه" عن الحارث بن بلال عن أبيه قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ! فُسخ لنا الحجُّ خاصة، أم للناس عامة؟ فقال: "بل لنا خاصة" (٢).


(١) رواه مسلم (١٢٢٤)، كتاب: الحج، باب: جواز التمتع.
(٢) رواه النسائي (٢٨٠٨)، كتاب: مناسك الحج، باب: إباحة فسخ الحج بعمرة لمن لم يسق =

<<  <  ج: ص:  >  >>