ولا عن يمينه، ولا شماله، قال أصحاب الشافعي: فلو لم يصلِّهما خلفه لزحمة الناس أو لغيرها، صلاهما في الحِجْر، فإِنْ لم يفعل، ففي المسجد، وإلا، ففي الحرم، وإلا، فخارجه، ولا يتعين لهما زمان ولا مكان، بل يجوز أن يصلِّيهما بعد رجوعه إلى وطنه وفي غيره، ولا يفوتان ما دام حيًّا.
قالوا: ويُستحب أن يقرأ في الركعة الأولى منهما بعد الفاتحة: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}[الكافرون]، وفي الثانية:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}[الإخلاص]، ثبت ذلك في "صحيح مسلم" من رواية جابر (١)، ويجهر بالقراءة إِنْ صلاهما ليلًا، ويسرُّ إِنْ كان نهارًا.
وقولُه:"فَانصَرَفَ، فَأتى الصَّفَا، فَطَافَ بِالصَّفَا وَالمروَةِ سَبعَةَ أَطوَافٍ": في هذه الجملة دليل على شرعية السعي عقب الطواف للقدوم وركعتيه، ويجب أن يكون السعي بعد طواف صحيح، وهو إما طواف القدوم، أو الزيارة، ولا يتصور وقوعه بعد طواف الوداع؛ لأنه يؤتى به بعد فراغ المناسك، فإذا بقي السعي، استحال أن يكون طواف وداع، وقد اشترط بعض الفقهاء أن يكون السعي عقب طواف واجب، ولا شك أن هذا الطواف وقع واجبًا على ما قررناه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أولًا مفردًا، ثم أدخل عليه العمرة، فصار متمتعًا، قارنًا؛ لأجل سوق الهدي، وليتبين جواز العمرة في أشهر الحج.
ومن العلماء من لم يجعله واجبًا، بل هو طواف قدوم؛ كمفرد الحجِّ، وهو مستحب.
وقولُه:"فَانْصَرَفَ فَأتى الصَّفَا" بفاء التعقيب في الانصراف وإتيان الصفا عقب قوله: "ثم سلَّم من ركعتي الطواف" يقتضي ألا يكون بين ذلك فعل شيء آخر؛ حيث إن التعقيب بالفاء يقتضي عدم المهلة، ولا شك أنه ثبت في "صحيح مسلم" رجوعه بعد سلامه من ركعتي الطواف إلى الحجر الأسود فاستلمه، ثم خرج من باب الصفا.
(١) رواه مسلم (١٢١٨)، كتاب: الحج، باب: حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -.