ونزل من الجنة، وهو أشد بياضًا من الثلج، وإنما اسودَّ بخطايا بني آدم؛ لأنهم يأتونه للزيارة متلوثين بالخطايا، فيتقون منها باستلامهم إياه، فيكسبه السواد، ويلبسهم النقاء من الذنوب، والله أعلم.
ويحبب بعد استلام الحجر الأسود وتقبيله والسجود عليه ثلاثًا، أن يجاوزه بجميع بدنه، ويجعله على يمينه وهو مستقبل الكعبة، سواء كان قريبا منها، أو بعيدًا، بشرط كونه داخل المسجد الحرام، ثم يبتدئ الطواف، ويمر بجميع بدنه على الحجر الأسود وركنه خارجًا عنهما، ويستلمه، ويُقبِّله ثانيًا، ويثبت قدميه عند ذلك، ويرفع رأسه من تقبيله، ويدَه من استلامه؛ لئلا يمر عليه بزحمة الناس أو عجلة نفسه ويدُه أو رأسه متصلة به، فيكون قد طاف وبعضه في جزء من البيت، فلا يكون طائفًا به، بل فيه، والذي أمر الله تعالى الطواف بالبيت لا فيه، ثم يخبُّ ثلاثة أطواف خارج البيت والحجر من المكان الذي ذكرنا إليه.
وإنما ذكرنا هذه الكيفيَّة؛ لأن في أساس البيت شيئًا خارجه عن بنائه يسمى: شاذروانًا، وهو من البيت، فيجب الطواف خارجه، والله أعلم.
وقولُه:"وَمشى أَرْبَعًا" يعني: ومشى الأربعة الباقية من السبع، فلو لم يرمل في الثلاثة الأول، لم يرمل فيها؛ لأن السنَّة فيها المشي.
اعلم: أن رَكعتي الطواف سُنَّة مؤكدة؛ لهذا الحديث، وليستا ركنًا، ولا شرطًا لصحة الطواف، بل يصحُّ بدونهما، ولا يجبر تأخيرهما ولا تركهما بدم ولا غيره. لكن قال الشافعي - رحمه الله -: يُستحبُّ إذا أخرهما أن يريق دمًا. وتمتاز هذه الصلاة عن غيرها بشيء، وهو أنها تدخلها النيابة، فإن الأجير يصليها عن المستأجر، على أصح الوجهين عند الشافعية، والوجه الآخر: أنها تقع عن الأجير نفسه.
وقولُه:"عِنْدَ المَقَامِ"؛ يعني: خلفه، فيجعله بينه وبين الكعبة، لا أمامه،