للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأما أبو هريرة، فتقدم.

وأما الغُرَّةُ، فهي البياض في الوجه، والتَّحجيلُ: بياضٌ في اليدين والرّجلين، وأصله في اللغة: البياضُ في جبهة الفرس ويديها ورجليها (١)، ثمَّ استعملَهُ - صلى الله عليه وسلم - في العلامة التي تكون على المؤمنين يوم القيامة في مواضع الوضوء، وهي نور، وسمَّاه غرةً وتحجيلًا من آثار الوضوء، والمرادُ به في الغرة: غسلُ شيءٍ من مقدم الرأس وما يجاوزُ الوجهَ زائدٍ على الجزء الذي يجبُ غسلُه لاستيعابِ كمالِ الوجه، وفي التَّحجيل: غسلُ ما فوقَ المرفقين والكعبين، وهو مستحب بلا خلاف، وادعَى الإمامُ أبو الحسن بن بطَّالٍ المالكي، ثم القاضي عياض اتفاقَ العلماء على أنه لا يُستحبُّ الزيادة فوق المرفقِ والكعبِ، وهي دعوى باطلة؛ فقد ثبت فعل ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبي هريرة، وعمل العلماء وفتواهم عليه، فهما محجوجان بذلك، واحتجاجهما بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أو نَقَصَ، فَقَدْ أسَاءَ وَظَلَمَ" (٢) غيرُ صحيح؛ لأن المرادَ به الزّيادةُ في عدد المراتِ أو النقصُ عن الواجبِ، أو الثواب المرتب على نقص العدد، لا الزّيادة على تطويل الغرة والتَّحجيل -والله أعلم-.

وأما حدُّ الزائِدِ، فقالَ بعضُ أصحابِ الشَّافعيّ: لا حد له، وقال بعضُهم:

حده نصفُ العَضُدِ والساقِ، وقال بعضُهم: إلى الركبتين والمنكِب، والأحاديثُ

تقتضي ذلك كله.

[وقد استعمل أبو هريرة - رضي الله عنه - الحديثَ على إطلاقه، فظاهرُه في إطالة الغرة والتحجيل -والله أعلم-] (٣).

وقوله: "يُدْعَوْنَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ"، يحتمل أَنْ يكونَ منصوبًا على المفعولية


(١) انظر: "الفائق في غريب الحديث" للزمخشري (٣/ ٦٢)، و"مختار الصحاح" (ص: ١٩٧)، و"لسان العرب" لابن منظور (٥/ ١٤)، (مادة: غرر) و (مادة: حجل).
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) ما بين معكوفين لس في "ح".

<<  <  ج: ص:  >  >>