للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ليُدعون بمعنى التسمية؛ أي: يُسموْن غُرًّا، ويحتملُ أَنْ يكونَ على الحال، وهو الأقرب.

وقوله: "مِنْ آثَارِ الوُضُوء" هو -بضم الواو، وهذا هو المعروف، ويجوز أن يُقال بفتحِها، ويكونُ المراد: آثارَ الماءِ المستعملِ في الوضوء، فالغرةُ والتَّحجيلُ نشآ عن الفعل بالماء، فيجوز نسبتُهما إلى كل واحدٍ منهما.

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فَمَنِ استَطَاعَ مِنكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ" اقتصارُه - صلى الله عليه وسلم - على ذكر الغرة دون التحجيل، من باب التَّغليب بالذكر لأحدِ الشَّيئين، وإن كان بسبيلٍ واحدٍ للتَّرغيب فيه، وقد استعملَ الفقهاءُ ذلك، فقالوا: يُستحب تطويلُ الغرة، ومرادُهم الغُرةُ والتحجيل -والله أعلم-.

وقد استدل جماعة من العلماء بهذا الحديث على أن الوضوءَ من خصائصِ هذه الأمة -زادَها اللهُ تعالى شرفًا-، وقال آخرونَ: ليس الوضوءُ مختصًّا بها، بل الذي اختصَّت به الغرة والتحجيلُ.

واحتجوا بالحديث الآخر: "هَذَا وُضُوئي وَوُضُوءُ الأَنبِياء قَبْلي" (١)، وأجاب الأولون عن هذا بجوابين:

أحدُهما: أنَّه حديثٌ ضعيفٌ معروفُ الضَّعفِ.

والثاني: لو صح، لاحتمل اختصاصَ الأنبياء دون أممهم؛ بخلاف هذه الأمة -والله أعلم-، ولا شكَّ أن هذه الأمة مختصةٌ بآثارِ الوضوء يوم القيامة، وهو النور الذي يكون في الوجوه والأيدي والأرجل المسمَّى بالحِلْية دونَ غيرِهم من الأمم -والله أعلم-.


(١) رواه ابن ماجه (٤٢٠)، كتاب: الطهارة، باب: ما جاء في الوضوء مرة ومرتين وثلاثًا، من حديث أبي بن كعب - رضي الله عنه - إلا أن لفظه: " ... ووضوء المرسلين ....... ".
وقد رواه باللفظ الذي ساقه المؤلف: الطيالسي في "مسنده" (١٩٢٤)، وأبو يعلى الموصلي في "مسنده" (٥٥٩٨)، وابن حبان في "المجروحين" (٢/ ١٦١ - ١٦٢)، وابن عدي في "الكامل في الضعفاء" (٣/ ٢٤٦)، والدارقطني في"سننه" (١/ ٧٩)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (١/ ٨٠)، من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -.

<<  <  ج: ص:  >  >>