واعلم: أن النحر ما يكون في اللبَّة، والذبح ما يكون في الحلق.
والوظائف يوم النحر أربعة: رمي جمرة العقبة، ثم الذبح، ثم الحلق أو التقصير، ثم طواف الإفاضة، والسنَّة ترتيبها هكذا، فلو خالف وقدَّم بعضها على بعض، جاز، ولا فدية عليه، وعلى ذلك دل قولُه:"فَمَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ ولا أُخِّرَ، إِلَّا قَالَ: افْعَلْ وَلَا حَرَجَ".
ومعنى قوله:"لَا حَرَجَ": لا شَيْءَ عليكَ مطلقًا، لا إثم ولا فدية، والله أعلم.
وقولُه:"فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ، فَقَالَ: اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ"، إلى آخر الحديث؛ معناه: افعل ما بقي عليك، وقد أجزأك ما فعلته، ولا حرج عليك في التقديم والتأخير.
واعلم: أن نفي الحرج يستعمل لغة في نفي الضيق، وهو معنى قوله تعالى:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}[الحج: ٧٨]؛أي: من ضيق، وقد استعمل كثيرًا عرفًا وشرعًا في نفي الإثم، فاستعماله في عدم الفدية فيه نظر، فهو خلاف الظاهر، لكن وجوب الفدية ضيق، وتركه إثم، على تقدير الوجوب، فحسن تفسير قوله:"ولا حرج" بنفيهما -أعني: الإثم والفدية-.
واعلم: أنه قد يشعر التقييد كثيرًا في الأحاديث، بإضافة حجَّته - صلى الله عليه وسلم - إلى الوداع؛ حيث أشعرت بانتقاله أنه يحجُّ غيرها. ولم يحجَّ - صلى الله عليه وسلم - بعد الهجرة إلا حَجَّة واحدة، وهي حَجَّة الوداع، وقد نقل ابن إسحاق: أنه حجَّ أخرى -يعني: قبل الهجرة- من مكة، وروي في حديث في غير "الصحيح": أنه - صلى الله عليه وسلم - حجَّ قبل الهجرة حجتين، والله أعلم.
وفي الحديث هذا فوائد:
منها: وجوب اتباع أفعال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحج؛ حيث إنهم سألوه عن تقديم بعض الأفعال الأربعة المذكورة على بعض، لما فعلها على صفة الترتيب