من تقديم الرمي ثم الذبح ثم الحلق ثم الطواف للإفاضة؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - قال:"خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُم"(١).
ومنها: وجوب السؤال عما وقعت المخالفة فيه؛ ليعلم جوازه أو أفضليته.
ومنها: وجوب البيان على المسؤول إذا علم الحكم في المسؤول عنه.
ومنها: أن السنَّةَ ترتيب الأفعال الأربعة على ما ذكرنا، وأنَّه لو خالف وقدَّم بعضها على بعض، جاز، ولا فدية عليه، وبهذا قال جماعة من السلف، وهو مذهب الشافعي، وله قول ضعيف: أنه إذا قدَّم الحلق على الرمي والطواف، لزمه الدم، بناء على قوله الضعيف: إن الحلق ليس بنسك. وبهذا القول -هنا- قال أبو حنيفة، ومالك. وعن سعيد بن جبير، والحسن البصري، والنخعي، وقتادة، ورواية شاذة عن ابن عباس: أَنَّ مَنْ قدَّم بعضها على بعضى لزمه دم، وهم محجوجون بهذه الأحاديث، فإن تأوَّلوها على أن المراد نفي الإثم، وادعوا أن تأخير البيان لوجوب الدم يجوز، قلنا: ظاهر قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا حرج" يخالف هذا التأويل؛ حيث معناه: أنه لا شيء عليك مطلقًا.
وقد صرح في بعض الأحاديث في "صحيح مسلم" بتقديم الحلق على الرمي، وأجمعوا على أنه لو نحر قبل الرمي، لا شيء عليه، واتفقوا على أنه لا فرق بين العامد والساهي في ذلك؛ في وجوب الفدية وعدمها، وإنما يختلفان في الإثم عند من يمنع التقديم، والله أعلم.
نعم، ليس في الحديث المذكور -من السؤال والجواب- ما يدل على أن تقديمهم وتأخيرهم بعضَ الأفعال الأربعة على بعض كان عمدًا، ولا غيره، بل هو مطلق بالنسبة إلى حال السؤال والجواب، والمطلق لا يدل على أحد الخاصين بعينه، فلا يكون حجة في حال العمد.
ولا شك أن عدم الشعور وصف مناسب لعدم التكليف والمؤاخذة، والحكم علق به، فلا يمكن اطِّراحه وإلحاق العمد به؛ إذ لا يساويه، والله أعلم.