للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيرجَّح النظر بترجيح الإضافة إلى أحدهما، مع أن الاستدلال بحديث ابن عمر للجمع بمزدلفة بعيد؛ حيث إنه علق الجمع فيه على الجدِّ في السير، وهو هنا لم يكن في ابتداء السير مجدًا، بل كان نازلًا عند دخول وقت صلاة المغرب بعرفة، وإنشاء الحركة للسير كان بعد ذلك. وقد كان يمكن أن تُقام المغرب بعرفة، ولا يحصل جد السير بالنسبة إليها، فالحديث إنما تناول الجد والسير [و] وجودهما عند دخول وقتها، وهذا أمر محتمل.

وقد اختلف العلماء في جواز الجمع بغير مزدلفة، كما لو جمع في الطريق أو بعرفة جمع تقديم، والأحاديث الصحيحة تدل صريحًا على جوازه بعرفة، والخلاف فيه هل هو بسبب النسك، أو السفر؟ ومن منعه، فالأحاديث الصحيحة حجة عليه، ومن جوزه في السفر مطلقًا، جوزه هنا.

ومن علَّله بالنسك قال: لا يجمع إلا بالمكان الذي جمع فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ إقامة لوظيفة النسك على الوجه الذي فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

ومنها: شرعية الإقامة لكل واحدة من الصلاتين المجموعتين. ولم يتعرض للأذان لهما في هذا الحديث. وفي رواية في "صحيح مسلم": أنه - صلى الله عليه وسلم - صلَّاهما بإقامة واحدة" (١). وفي صفة حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - في "صحيح مسلم": أنه - صلى الله عليه وسلم - صلاهما بأذان واحد وإقامتين (٢)، وهذا مقدم على رواية الكتاب، ورواية صلاتهما بإقامة واحدة؛ لأنها رواية معها زيادة علم، فهي مقدمة على غيرها إذا كانت من ثقة مقبولة، ولأن جابرًا - رضي الله عنه - اعتنى بنقل حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وضبطها أكثر من غيره، فكان أولى بالاعتماد والقبول، وتحمل رواية صلاتهما بإقامة واحدة على كل واحدة منهما؛ أنه صلَّاها بإقامة؛ جمعًا بين الروايات، ونفيًا للاختلاف.

ومذهب الشافعي الصحيح أنه يؤذن للأولى منهما، ويقيم لكل واحدة إقامة، فيصليهما بأذان وإقامتين، ودلالة حديث الكتاب على عدم الأذان دلالة سكوت.


(١) رواه مسلم (١٢٨٨)، (٢/ ٩٣٧)، كتاب: الحج، باب: الإفاضة من عرفات إلى المزدلفة.
(٢) تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>