الترجيحات والرجوع إلى أصول الأدلة، ولا يلزم من ذلك القَدْح في الراوي ولا تقليده، إلا أنه لا يترك العمل بالحديث الصحيح لمجرد التوهم والاحتمال، مع أن المحدثين وغيرهم قالوا: إن مخالفة الراوي لروايته أو متابعتها بالعمل بها لا يدلان على صحة الحديث عنده، ولا ضعفه، ولا يلزم من بطلان مأخذ معنى بطلان الحكم في نفس الأمر، وهذا كله إذا ثبت أن حديث ثبوت خيار المجلس لم يرو إلا من جهة مالك - رحمه الله -، أما إذا ثبت أنه روي من جهة أخرى، فإنه لا يحتاج إلى اعتذار، ولا سماعه، بل يجب المصير إليه، خصوصًا عند عدالة النقلة وثبوتها، والله أعلم.
الثاني من العذر عن الحديث:
أنه خبر واحد فيما تعم به البلوى، وهو غير مقبول.
قلنا: لأن البياعات تتكرر من غير إحصاء، فالبلوى بمعرفة حكمه تعم، وبكون حكمه معلومًا عندَ الكافة، فانفراد الواحد به على خلاف العادة، فيردُّ.
والجواب: كما أن ثبوت الخيار في البيع تعم به البلوى، فكذلك البيع تعم به البلوى.
والحديث دلَّ على إثبات خيار الفسخ، وليس الفسخ مما تعمُّ به البلوى في البياعات؛ فإن الظاهر الرغبة من كل واحد من المتعاقدين بإقدامه على البيع فيما صار إليه، فالحاجة إلى الفسخ غير عامة.
والمعتمد في الرواية على رواية الراوي، وجزمه بها، وقد وجد، وعدم نقل غيره لا يصح معارضًا لجواز عدم سماعه للحكم؛ فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يبلغ الأحكام للآحاد والجماعة، فلا يلزم تبليغ الحكم لجميع المكلفين؛ لتعذر سماعهم، فجاز عروض العذر لغير هذا الراوي، وإنما يكون الخفاء على أهل النقل في الأحكام الجزئية، وهذا منها.
أما الأمور الكلية: فالعادة تقتضي عدم إخفائها؛ لتوفر الدواعي على الاطلاع عليها.