الاجتماع في الأقوال، كان التفرق فيها، وإن كان في غيرها، كان التفرق عنه بأن حمله على غير المكان بقرينة، فتكون مجازًا.
الثامن من العذر عن الحديث:
ما ذكره بعضهم من استحالة العمل بظاهره؛ لأنه أثبت الخيار لكل واحدٍ من المتبايعين على صاحبه، فلا يخلو إما أن يتفقا على الاختيار، أو يختلفا، فإن اتفقا: لم يثبت لواحدٍ منهما على صاحبه خيار، وإن اختلفا؛ بأن اختار أحدهما الفسخ، والآخر الإمضاء: فقد استحال أن يثبت لكل واحد منهما على صاحبه الخيار؛ إذ الجمعُ بين الفسخ والإمضاء مستحيل، فيلزم تأويل الحديث، ولا يحتاج إليه، ويكفينا صدكم عن الاستدلال بالظاهر.
والجواب عنه: بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يثبت مطلق الخيار، بل أثبت الخيار، وسكت عما فيه الخيار، فنحن نحمله على خيار الفسخ، فيثبت لكل واحد منهما خيار الفسخ على صاحبه، وإن أبى صاحبه ذلك.
التاسع من العذر عن الحديث:
بأنه منسوخ، وذلك بطريقين: إما بأن إجماع أهل المدينة على خلافه، وهو يقتضي النسخ، وإما بحديث اختلاف المتبايعين؛ حيث إنه يقتضي الحاجة إلى اليمين، وذلك يقتضي لزوم العقد؛ فإنه لو ثبت الخيار، لكان كافيًا في رفع العقد عند الاختلاف، وكلٌّ ضعيفٌ جدًّا.
وتقدم الكلامُ على ضعفِ القولِ بأَنَّ إجماعَ أهلِ المدينة حجة، واحتمالُ حُجَّيته لا ينسخ غيره، كيف والإجماع المجمع على القول بحجيته لا يَنسخ ولا يُنسخ، وإنما يدل على وجود ناسخ؟! وأما مجرد المخالفة، فلا يلزم منه الفسخ؛ لجواز دليل آخر متقدم راجح في الظاهر عند تعارض الأدلة عندهم.
وأما حديث اختلاف المتبايعين، فالاستدلال به ضعيف جدًّا؛ لأنَّه مطلق بالنسبة إلى زمن التفرق وزمن المحل، فيحمل على ما بعد التفرق، ولا حاجة إلى النسخ، والنسخ لا يصار إليه إلا عند الضرورة.